بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات…

    خرجت إلينا قضية كُبرى في الأونة الأخيرة بين تركيا وسوريا حيث أعلنت القيادة التركية عزمها في إقامة عملية عسكرية على شمال شرق سوريا مع إطلاق أسم عملية نبع السلام عليها، تم بناء تلك العملية بتعاون من الجيش التركي مع قوات الجيش الوطني السوري المعارضة لحكومة بشار الأسد والمتحالفة مع تركيا وذلك بهدف تحرير منطقة عازلة من قوات سوريا الديموقراطية وتسكين اللاجئين السوريين بها.

    تسعى تركيا إلى محاربة حزب العمال الكردستاني والذي يقوم بعمليات إرهابية في تركيا منذ فترة كبيرة ويستوطن في الأراضي السورية، لذلك فإن أهداف تلك الحملة العسكرية كثيرة ومختلفة ولا تقتصر على شيء واحد. لقد شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن الهدف الرئيسي من تلك العملية العسكرية هو إنشاء منطقة أمنة لكافة اللاجئين السوريين بعمق 30 كم . ومن المتوقع أن تستوعب تلك المنطقة أكثر من 3.6 مليون لاجيء سوري قد ذهبوا إلى تركيا بعد الأحداث السيئة التي مرت بها سوريا.

    هذة العملية العسكرية قد نالت إنكار من جانب العديد من الدول والجهات الأجنبية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والأتحاد الأوروبي بالإضافة إلى جامعة الدول العربية وإسرائيل وإيران وغيرهم من الدول الأجنبية والعربية. هذا الرفض كان قائم على عدة أسباب حيث أعتبر البعض أن هذا الهجوم هو إحتلال لدولة عربية بدون وجة حق وقد إعتبره البعض محاولة لفرض تغيير سكاني جذري قد يؤدي إلى الإضرار بحياة الكثير من الأرواح.

    هذة العملية العسكرية قد تم إصابتها بالكثير من الشكوك حيث يرى البعض بأنها مهمة لإعادة توطين الشعب السوري الذي قد تم تهجيره والبعض الآخر يرى بأن تلك الحملة ليست إلا لتنفيذ بعض المصالح التركية والتخلص من الحزب الكردي وبالاخص حينما تمكن فصيل مُسلح منسوب إلى الجانب التركي بقتل الناشطة الكردية هفرين خلف مع بعض المدنيين الآخرين. لذلك فقد خرجت الصحف الأمريكية تُدين بشدة بهذة الجريمة وإعتبارها بمثابة جريمة حرب.

    مراحل إنطلاق عملية نبع السلام التركية على سوريا

    لقد بدأت العملية التركية العسكرية في التاسع من شهر أكتوبر وذلك بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الإنسحاب من شمال شرق سوريا حيث أنهم قد تواجدوا بصورة غير شرعية في تلك المناطق التي يتم حكمها بواسطة قوات سوريا الديموقراطية. العملية العسكرية قد بدأت بغارات جوية على مناطق تل أبيض والقامشلي ورأس العين. هذا الهجوم المُفاجيء قد أدى إلى فرار الكثير من المدنيين المتوجدين في محيط العملية العسكرية.

    بعد إنطلاق تلك العملية فإن تصريحات قوات سوريا الديموقراطية قد أدانت هجوم تركيا وذكرت بأنها تستهدف المدنيين وأعلنوا بأنهم سوف يقوموا بالرد على تلك الإعتداءات، حيث قامت وحدات حماية الشعب بإطلاق صواريخ على إحدى المدن التركية . وفي نفس الوقت فإن قوات سوريا الديموقراطية قد قامت بوقف هجومها على داعش بعد عمليات الهجوم التركي.

    بعد هذا الهجوم المُتبادل بين الطرفين فإن قوات سوريا الديموقراطية قد تقدمت بدعوى إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل عمل حظر جوي على شمال شرق سوريا وذلك في محاولة من أجل وقف الهجوم التركي عليها ولكن على الجانب الآخر فإن تركيا قد أعلنت بدأ عملية الزحف البري. لقد بدأ التقدم البري لتركيا من خلال منطقة تل أبيض. الهجوم البري قد نتج عنه إصابة أكثر من 181 هدف في شمال شرق سوريا. الأمر لم ينتهي عند ذلك الحد بل أعلنت قوات سوريا الديموقراطية بأنها قد تصدت للقوات التركية بالقرب من مدينة الباب في حلب.

    لقد أسفر الهجوم الجوي لتركيا عن ضرب سجن كان مخصص لإحتجاز قوات داعش به وقد أعلن الجانب التركي والمتمثل في الرئيس رجب طيب أردوغان بأن قوات سوريا الديموقراطية سوف يقتلوا مليون لاجيء سوري وذلك في حالة استمرار الدول الأوروبية بإنتقاد العملية التركية. لقد صرح رجب طيب أردوغان بأن تلك العملية العسكرية لا يُمكن تسميتها بالغزو كما يدعو البعض عليها ولكنها جزء من عملية استرجاع الأرض السورية لأهلها وحماية للأراضي التركية من العمليات الإرهابية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني .

    رؤية الرئيس التركي للعملية العسكرية في سوريا ؟

    هناك الكثير من الدول العربية والأجنبية التي قد إنتقدت تلك العملية العسكرية لذلك كان لابد من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الرد على تلك التصريحات والدفاع عن حملته العسكرية التي يرى بأنها لهدف أسمى وليس بغرض الإحتلال والدمار لبلد عربي كما يُعبر البعض.

    أشار رجب طيب أردوغان إلى تصريحات مصر عن العملية التركية والتي قالت بأنها غزو لأراضي عربية وإحتلال حيث قال بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لا يُمكنه الحديث عن بلد آخر في ظل القمع السياسي الذي يفرضه على مصر وتسببه في مقتل الرئيس السابق محمد مرسي في السجون. كما أشار إلى السعودية التي أيضاً قد رفضت العملية التركية موضحاً بأنها تمارس العنف والإحتلال على اليمن بحجة ضرب الحوثيين.

    تسعى القوى السياسية في تركيا بما فيها الأحزاب مثل حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية إلى التأييد التام والمطلق لهذة العملية وإنجاحها ، ومن ناحية آخرى فإن الجانب السوري يقوم بالعديد من الخطوات التي من شأنها وقف العملية العسكرية التركية على الأراضي السورية، فقد وافقت حكومة الرئيس بشار الأسد على إرسال الجيش إلى الحدود من أجل محاولة إيقاف هذا الزحف التركي على الميليشيات الكردية المتواجدة في شمال شرق سوريا.

    الأحداث في الوقت الحالي لا تتضح ولكن الجانب التركي مُصر على استكمال العملية وتحقيق نتائجها وأهدافها بالإضافة إلى ان الجانب السوري لن يرضخ أو يتنازل عن حقوقه في عدم دخول القوات التركية إلى أراضيه. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعو الجانب التركي لوقف العملية والجلوس على مائدة المفاوضات والتحدث عن حلول سريعة ومناسبة لهذا الموقف.

    في الأيام القليلة القادمة سوف نرى أبرز المستجدات التي تتعلق بهذة القضية وسوف يتعامل الجانب التركي مع عملية نبع السلام في ظل الضغط الدولي والعربي والتنديد الدائم بوقف هذة العملية. كما أن قوات سوريا الديموقراطية لن تتراجع في الدفاع عن نفسها خلال تلك الحملة العسكرية. كافة المفاوضات والأحداث مجهولة في الوقت الحالي ولكنها سوف تظهر خلال الفترات القادمة بعد أن نرى مدى قدرة التدخل الأمريكي في هذة العملية.

    شاركها.