بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات…

    محمد فوزي

    باحث في الشؤون السياسية

    محمد فوزي
    محمد فوزي

    شهدت العاصمة التركية أنقرة في الثالث والعشرين من أكتوبر المنصرم، إعلانا عن خط ملاحي هو الأول من نوعه بالنسبة لتركيا يربطها بكل من جيبوتي والصومال بحرا، وذلك بهدف تقليص فترة تسليم البضائع، وتعزيز التبادل التجاري بين الطرفين، حسبما أعلن، وهو التحرك الذي أثار العديد من التساؤلات التي تحاول الوقوف على دوافعه ومسبباته خصوصا في هذا التوقيت والسياق الذي يأتي فيه.

    مسار محتمل:

    كما أشرنا أعلنت تركيا خلال حفل عقد في العاصمة أنقرة عن خط ملاحي يربطها بكل من جيبوتي والصومال ومنطقة القرن الأفريقي عموما عبر البحر الأحمر، وذلك بمشاركة سفير جبيوتي بأنقرة، عدن حسين عبد الله، ونظيره الصومالي جامع عبد الله محمد، ومنسق الشراكة التركية الإفريقية بوزارة الخارجية التركية جان إنجه صو ومسؤولون من وزارتي التجارة والنقل التركيين، وهو الخط الذي أعلنت الأطراف الموقعة أنه يستهدف تقليص فترة تسليم البضائع من 35 – 50 إلى 9-10 أيام، ويعزز التبادل التجاري بين تركيا ودول القرن الإفريقي، لكن لوحظ عدم إعلان الطرفين سواء التركي أو الجيبوتي والصومالي عن أي تفاصيل مرتبطة بهذا الخط خصوصا فيما يتعلق بالجوانب الفنية، وهو ما أضفى حالة من الغموض على المشروع، لكن من المحتمل أن يتم الإعلان عن هذه التفاصيل مع الشروع في هذا الخط، ومع ذلك ففي ضوء ما تم الإعلان عنه فإن هذا الخط سيكون خط ملاحي مباشر بين تركيا وجيبوتي والصومال، ومن ثم يحتمل أن يبدأ هذا الخط من ميناء مرسين الدولي، وهو ثاني أكبر ميناء في تركيا، ويقع في مدينة مرسين في الجنوب التركي، وذلك في ضوء كون هذا الميناء منذ افتتاحه يمثل بوابة تركيا على كل من القوقاز والشرق الأوسط وأفريقيا، ويمر الخط بقناة السويس، وصولا إلى ميناء دورالية في جيبوتي، وكذلك ميناء مقديشو في الصومال، وذلك في ضوء الحضور التركي القوي في كلا المينائين وفقا لاتفاقية التعاون البحري مع جيبوتي، وكذلك في ظل إدارة مجموعة البيرق التركية، المعروفة بعلاقاتها الوثيقة مع حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، لميناء مقديشو وحصولها على امتياز مدته 20 عام، تأخذ بموجبه 45% من إجمالي إيرادات الميناء.

    سياق مضطرب:

    المتابع للترحاكت التركية في القارة الأفريقية ككل وفي منطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص يجد أنها ليست بالتحركات الحديثة بل هي قديمة حيث عملت تركيا منذ عقود على ترسيخ حضورها في القارة السوداء كفاعل رئيسي، لكن ما أكسب هذه الخطوة بعض الخصوصية هو السياق الذي تأتي فيه وذلك على النحو التالي:

    1-معادلة سياسية جديدة تلوح في الأفق في الصومال:

    جاءت الخطوة التركية بالتزامن مع سياق ومناخ سياسي مشتعل في الصومال، التي تعتبر الحليف الاستراتيجي للأتراك في منطقة القرن الأفريقي، وذلك في ضوء توقيع الاتفاق السياسي الخاص بالانتخابات الصومالية، والذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه ( الشعب والشيوخ ) في السادس والعشرين من سبتمبر المنصرم، وهو القانون الذي جاء في ظل حالة غضب يشهدها الشارع الصومالي تجاه الرئيس “محمد عبدالله فرماجو” نتيجة تفاقم الأزمات في عهده، وعدم قدرته على تحقيق ما وعد به من بسط نفوذ الدولة الصومالية على كل الأراضي التابعة لها، ورفض العديد من الدوائر السياسية والفاعلين في المشهد الصومالي لما يتبناه “فرماجو” من سياسات خارجية، فضلا عن رؤساء الولايات الفيدرالية الذين يقعون في قلب المشهد السياسي المناوئ لتحالفات الترويكا الحاكمة، وهي كلها معطيات تشير إلى أن الصومال قد يشهد في الانتخابات المقبلة بروز تحالفات جديدة خارج إطار النخبة الحالية، بما يشي باحتمالية إزاحة فرماجو عن المشهد، وهو ما يعني خسارة تركيا لحليفها الاستراتيجي الذي شهدت العلاقات بين الجانبين في عهده تطورا كبيرا، زاد من الحضور والنفوذ التركي في الصومال، أضف إلى ذلك الضغوط والمساع الدولية في الفترة الماضية لتقليص صلاحيات “فهد الياسين” سواء عبر إقالته أو تصفير دوره السياسي، وقد عبر عن هذه المساعي اللقاء الذي جرى بين سفراء غربيين والمستشار الأمني لفرماجو “عبدي سعيد” بحضور “الياسين” في مجمع دبلوماسي قرب مطار مقديشيو، وتشير تقارير إلى أن السفراء في هذا اللقاء طرحوا أمام “فهد الياسين” خيارين: إما الكف عن التدخل في الشأن السياسي، أو التنحي عن رئاسة جهاز المخابرات، حيث حذروا بشدة من خطورة توليه رئاسة جهاز المخابرات، وقيادته حملة مرشح رئاسي “فرماجو”، أيضا تزامنت الخطوة التركية مع تحركات مصرية – سعودية، على المستوى الرسمي في الصومال عبر مسؤولي بعثات البلدين، وهي التحركات التي جعلت البعض في الداخل السوداني يتسائل عن مدى كونها تعكس توجها صوماليا جديدا فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، وهو سياق يقلق الجانب التركي ويهدد مصالحه بطبيعة الحال.

    في هذا السياق تتابع أنقرة هذه التطورات في المشهد السياسي الصومالي بقلق واهتمام شديد، وتراهن على إعادة انتخاب “فرماجو” لضمان استمرارية سيطرتها على مفاصل السلطة في الصومال، وهو الأمر الذي أشارت تقارير إلى أن زيارة “فهد الياسين” مؤخرا إلى تركيا تمحورت حوله، فضلا عن إعلان تركيا سداد ديون الصومال المتأخرة لصندوق النقد الدولي، من خلال حقوق السحب الخاصة في حساباتها الاحتياطية، وذلك بهدف دعم الإصلاحات الاقتصادية في الصومال حسبما أعلن، وهي الخطوة التي فهمت على أنها محاولة لإنقاذ حليف أنقرة “فرماجو” وتعزيز فرص استمراره في الحكم.

    2- الترتيبات الجديدة في منطقة البحر الأحمر: تتزامن هذه التحركات التركية مع ترتيبات في الآونة الأخيرة ترتبط بملف الأمن الإقليمي في منطقة البحر الأحمر، وذلك على أكثر من محور وهو ما عبر عنه مجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر، فضلا عن التقارير التي تحدثت عن وجود مساعي لتشكيل قوات عربية – إسرائيلية، يجري التجهيز لها وإعدادها لتأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر، على هامش اتفاق ابراهام، ومشروع السلام الأمريكي في الشرق الأوسط، وموافقة السودان المبدأية على المشاركة في هذه القوات، فيما يبدو أنه محاولات لإعادة هيكلة السياسات الأمنية على ساحل البحر الأحمر، وهي الترتيبات التي تتعارض ومفهوم تركيا عن أمن البحر الأحمر والذي يمكن القول إنه يقوم على تحويل دول البحر الأحمر خصوصا الأفريقية إلى دول حليفة وموالية، بما يضمن من جانب الحفاظ على الحضور والمصالح التركية ومن جانب آخر عدم انخراط هذه الدول في أي تحالفات مناوئة للجانب التركي.

    الدوافع:

    في ضوء ما سبق يمكن فهم الدوافع التركية فيما يتعلق بإنشاء هذا الخط البحري على النحو التالي:

    1- تأمين المصالح الاقتصادية التركية: ترتبط هذه التحركات التركية بلا شك بسعي أنقرة تأمين علاقاتها الاقتصادية بالقارة الأفريقية عموما، والتي تمثل بدورها سوقا اقتصاديا كبيرا لتركيا، ورافدا مهما ورئيسيا للمواد الخام ولمصادر الطاقة، فضلا عن أن هذا هذا الخط الملاحي المباشر من شأنه تحقيق عائد أكبر بالنسبة لتركيا في زمن أقل من خطوط الملاحة المنظمة العادية التي تمر على عدة موانئ وتستغرق وقت أكبر.

    2- تعزيز الحضور التركي في منطقة البحر الأحمر: مع الترتيبات والمتغيرات الأمنية التي أشرنا إليها في منطقة البحر الأحمر، فضلا عن تغيرات سابقة حدثت في نظم سياسية في الإقليم كالسودان بعد إزاحة البشير – المقرب من حزب العدالة والتنمية – وانخراط السلطة الانتقالية في السودان في إطار محور الاعتدال العربي، وتغيرات محتملة كما هو الحال في الصومال، يبدو أن تركيا استشعرت خطورة هذه المتغيرات، فبدأت في التحرك ولكن هذه المرة بشكل يخدم على فكرة “الحضور المستدام”، بما يؤمن لها من جانب خدمة أجندتها التوسعية في منطقة الشرق الأوسط، من خلال العمق الأفريقي، ومن جانب آخر الحضور المستقبلي في أي ترتيبات إقليمية ودولية خاصة بهذا الإقليم المهم، خصوصا مع النظرية القائلة بأن الأمن الإقليمي في منطقة البحر الأحمر لم يعد مجرد أمن الدول المشاطئة له، في ضوء اعتبارها إحدى أهم دوائر الحركة الاقتصادية في العالم، والنظر إليها على أنها مركز عالمي للأمن، فضلا عن كونها قاعدة لوجيستية للتحرك إزاء الصراعات المختلفة في المنطقة.

    التداعيات المحتملة:

    تشي خطوة إنشاء الخط البحري بين تركيا وكل من جيبوتي والصومال إلى مزيد من الإرتباط والحضور التركي بمنطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وهو أمر يعظم من مناخ التجاذب بين القوى الفاعلة في مشهد البحر الأحمر، خصوصا مع ارتباط هذا التحرك بسعي تركي لإعاقة أي تغيير في هذه المنطقة وذلك في ظل كون مؤشرات التغيير في هذا الإقليم تأتي على حساب الحضور التركي، فضلا عن تزايد احتمالية حدوث تعاون أو تنسيق مع إيران، وذلك في ضوء المتغيرات الأخيرة في الإقليم وشبكة التحالفات في المنطقة ككل.

    الخلاصة:

    يشير التحرك التركي الأخير في البحر الأحمر والمتمثل في إنشاء خط بحري يربط تركيا بمنطقة القرن الأفريقي، إلى مساع تركية لتأمين وضمان حضور مستدام في هذا الإقليم الحيوي، وذلك عبر تدعيم الحضور القائم أساسا على آليات عدة تتراوح بين “القوة الناعمة” و “العسكرة” بخط بحري، بما يضمن تواصلها الدائم مع دول القرن الأفريقي، ومزاحمة القوى الإقليمية فيما يتعلق بالترتيبات الخاصة بالبحر الأحمر.

    ____________________

    أنقرة.. تعريف بخط بحري يربط تركيا بجبيوتي والصومال، وكالة الأناضول، 23 أكتوبر 2020، على الرابط:

    https://cutt.us/kAb8q

    لمزيد من التفاصيل حول قانون الانتخابات الصومالي من حيث مساره، وتفاصيل النظام الانتخابي المتفق عليه، أنظر:

    شيماء البكش، أزمة قانون الانتخابات الصومالية…فصل جديد في تاريخ أزمة الدولة، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 7 أكتوبر 2020

    https://marsad.ecsstudies.com/41743/

    تركيا وانتخابات الصومال.. استعراض للنفوذ يفضح الدور المشبوه، بوابة العين الإخبارية، 15 أكتوبر 2020

    https://al-ain.com/article/turkey-somalia-elections-influence-exposes

    مركز الملك سلمان للإغاثة يسلم مبنى مركز غسيل الكلى إلى وزارة الصحة بجمهورية الصومال الفيدرالية، وكالة الأنباء السعودية، 31 أكتوبر 2020

    https://www.spa.gov.sa/viewstory.php?lang=ar&newsid=2150139

    وزير الخارجية الصومالي يلتقي السفير المصري لدى الصومال، الصومال الجديد، 2 نوفمبر 2020

    https://cutt.us/zkUnB

    الروسيةRTتركيا تسدد ديون الصومال لصندوق النقد الدولي،

    7نوفمبر 2020 أنظر:

    https://cutt.us/eTilx

    السودان يطالب بمساعدات واستثمارات أميركية قبل التطبيع، جريدة العرب اللندنية، 22 سبتمبر 2020

    https://cutt.us/UPKrv

    شاركها.