بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات…

    اسلام عبد المجيد عيد

    لاتزال الأزمة الروسية الأوكرانية مشتعلة إلى الآن، ورغم أن الأحداث لم ترتق بعد للهجوم الشامل من الجانب الروسي للداخل الأوكراني، ولكن المعطيات تشير لهجوم روسي محتمل، فقد تم حشد ما يزيد عن 100 ألف جندي روسي على الحدود مع أوكرانيا، ولم تكتف موسكو بحشد العنصر البشري فقط، بل تطور الامر لحشد الأسلحة والعتاد العسكري من طائرات وصواريخ ودبابات على الحدود بين البلدين، ترجع التحركات الروسية الحالية لمخاوفها من إنضمام أوكرانيا لحلف الناتو، ووضع حلف شمال الأطلسي لقوات وأسلحة غربية فى أوكرانيا، وتثير الأزمة توترا ملحوظا ما بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة، خصوصا أن إحتمالية دخول روسيا للأراضي الأوكرانية ونشوب حرب قد يؤدى لخسائر كبيرة، لن تشمل البلدين فقط، بل سيمتد تأثيرها لكافة دول العالم ومنها أوروبا التى تستورد 40%من إحتياجاتها النفطية من روسيا، وبالإضافة لدول الشرق الأوسط و مصر بلا شك ضمن القائمة، حيث ستتأثر مصر بكل تأكيد خاصة فيما يتعلق بأمنها الغذائى وبالتحديد محصول القمح بصورة أكبر، ولكن يبقى التساؤل الأهم حول إمكانية قيام روسيا بهذا العمل العسكري ومدى تأثيره على مصر فى حال حدث بالفعل؟.

    سلام عبد المجيد عيد
    اسلام عبد المجيد عيد

    مدى إمكانية قيام الحرب بين الطرفين

    يبقى أهم العوامل المنتظرة لقيام الحرب من عدمها، هو ما يدور فى رأس الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، وذلك بالتأكيد يصعب التنبؤ به، والذى انقسم حياله جمع كبير من الخبراء والمحللين لاسيما فى الولايات المتحدة نفسها وفى الأوساط الغربية بصورة عامة.

    لكن الواضح أن روسيا تدرك أن تحركاتها حاليا مدروسة بشكل كافي هذه المرة، فالروس يدركون مدى إحتياج أوروبا حاليا لروسيا وليس العكس، والدليل على ذلك أنه رغم التحرك الروسي على الحدود الأوكرانية، والمتواصل منذ فترة ليست بالقصيرة، لم تصدر أية عقوبات سواء من الجانبين الأمريكي والأوروبي على روسيا حتى الآن، خاصة فى ظل إحتياج الأوروبيين للطاقة التى يستوردونها من روسيا وبالتحديد الغاز الطبيعي، كما أن روسيا نفسها مرتبطة بمشروع ضخم لتوصيل الغاز من روسيا إلى ألمانيا وباقي دول أوروبا عبر أوكرانيا وعدد من دول شرق أوروبا، والمعروف باسم “نورد ستريم2″، خصوصا أن العائق المتمثل فى الرفض الأمريكي للمشروع بدأ يقل نسبيا، وحدثت ما يشبه الإنفراجة من أجل السماح الأمريكي للشركات الألمانية بإستكمال عملها فى المشروع خلال الفترة الأخيرة.

    قد يكون ذلك، أحد العوامل التى ساعدت روسيا على إتخاذ هذه الخطوات الجريئة حاليا، ولكن تبقى فكرة الحرب الشاملة، مشكوك فى إمكانية إتخاذها حاليا ، حيث لأن دولة كبرى مثل الإتحاد الروسي، لن تستعرض تحركاتها العسكرية بهذا الشكل أمام الجميع، وتستمر فى ذلك فترة طويلة، بغرض مثل إشعال الحرب حاليا، هذا بالتأكيد سيمثل نوع من البلاهة السياسية، فهذه الأمور فى أغلب الأحيان يحيطها جزء كبير من السرية، وإنما تريد موسكو أن توصل رسالة تهديد للناتو، بعدم التفكير فى التواجد فى أوكرانيا، أو حتى ضمها لحلف الناتو مطلقا وليس فقط على المستقبل القريب، لما يمثله ذلك من خطر كبير على الأمن القومي الروسي.

    كما أن روسيا، تريد أن تخنق أوكرانيا إقتصاديا، لتثير الإضطرابات والغضب الشعبي ضد النظام الحالي بقيادة زيلنسكي، الموالي للغرب، فالتهديد الروسي والتواجد على الحدود، كفيل بأن يخلق حالة من الذعر والخوف لدى المستثمرين داخل أوكرانيا، كما أنه من الممكن أن تحاول روسيا الإطاحة بالنظام الحالي فى أوكرانيا دون التدخل عسكريا، والإتيان بأشخاص موالين لها على هرم السلطة فى كييف، وقد يكون ذلك الخيار الأرجح.

    التأثير المحتمل على مصر

    بكل تأكيد، ستكون إحتمالية قيام حرب فى الفترة الراهنة بين روسيا وأوكرانيا، مؤثرة بصورة كبيرة على عدد من دول العالم، لن يقتصر الأمر فقط على كون روسيا من أكبر الدول المصدرة للطاقة فى العالم، بل إنها من أكبر المصدرين لبعض المحاصيل الغذائية أيضا، وهو ما يعنى أن دولا أخرى ستتأثر فيما يخص الأمن الغذائي لديها، وبلا أدنى شك ستكون مصر على رأس القائمة.

    فروسيا أولا هى خامس أكثر الدول التي تقوم مصر بالإستيراد منها، كما أن المحاصيل الغذائية كالقمح أهم المحاصيل المستوردة، وذلك لأن مصرمن أكثر الدول عالميا فى إستيراد القمح، وتقوم باستيراد 49% من إجمالي إستيرادها منه من روسيا، والمشكلة الأكبر أن ثاني هذه الدول التى تقوم مصر باستيراد القمح منها، هى جارتها أوكرانيا، بنسبة تبلغ حوالي26%، مما يعني أن أكثر من ثلاثة أرباع إستيراد مصر من القمح يأتى من الدولتين، وهو ما ينذر بخسائر كبيرة لمصر، فى حال وقوع الحرب.

    ليس ذلك فقط، فمصر تستورد من روسيا سلع أخرى كالصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب، مما قد يؤدى لزيادة محتملة فى سعر الحديد فى الفترة القادمة، مثلما هو متوقع فى زيادة لأسعار السلع الغذائية، وأبرزها التى تعتمد على محصول القمح، حيث ان روسيا من أكبر مصدري القمح فى العالم، كما أن دول شرق أوروبا التى تصدر الكثير من المحاصيل الأخرى ستتأثر تجارتها مع الدول ومنها مصر، إذا ما حدثت الحرب.

    كما أن هناك قطاع أخر فى مصر سيتأثر فى حالة قيام الحرب، وهو بدون شك القطاع السياحي، الذى يعد أبرز القطاعات المدرة للدخل فى مصر، والتى عانت مؤخرا فى مصر وزاد من معاناتها أزمة فيروس كورونا، خاصة أن الأوكرانيين، من أبرز الجنسيات التى تقوم بزيارة مصر سنويا، ولعلهم أكثر الجنسيات زيارة للمنتجعات المصرية على مدار العام.

    وبالطبع، سيكون أبرز القطاعات المتأثرة قطاع الطاقة، بمشتقاته المختلفة من غاز طبيعي وبترول، حيث ستؤثر الأزمة بشكل كبير على الأسعار العالمية للنفط، وستؤدى الحرب إلى إرتفاع جنوني فى سعره، ومصر أحد الدول التى تستورد المشتقات النفطية وبالتحديد البترول.

    كيف ستتعامل مصر مع الأزمة؟

    بالتأكيد، مصر تسعى حاليا لتقليص إستيرادها من القمح، من خلال زيادة الإنتاج الداخلي وتوسيع رقعة المساحة الزراعية التى تستخدم لزراعة القمح، حيث أن مصر من أكثر دول العالم إستيرادا للقمح، كما أن الإستهلاك المحلي من القمح تضاءل قليلا فى الفترة الأخيرة، وبدأت الدولة تحاول أن تتجه للإعتماد على سلع أخرى، بديلة للقمح كالبطاطس والذرة.

    وبالإضافة لذلك ، فمصر اتجهت لتنويع إستيرادها من القمح من دول أخرى، غير روسيا وأوكرانيا، حيث اتجهت مصر مؤخرا للإستيراد من لاتفيا على سبيل المثال، وذلك حتى تستطيع مواجهة الأسعار العالمية، وحتى لا يكون حجم تأثرها بأزمات محتملة فى المستقبل كبيرا، وفى نفس الوقت تكون هذه الدول بدائل أخرى للدولتين الأوراسيتين وبأسعار أقل. 

    ولكن لا يعنى ذلك، قدرة مصر حاليا مواجهة الأزمة فى حال حدوثها والمتمثلة فى قيام الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث أن نسبة الإستيراد المصري كبيرة جدا من الدولتين فيما يتعلق بمحصول القمح، وذلك يصعب جدا تعويضه بمثل هذه الخطوات.

    أما فيما يخص قطاع الطاقة، فمصر لن تتأثر كثيرا كما هو متوقع أن تتأثر دول الإتحاد الأوروبي، خصوصا أن مصر تستورد أغلب إحتياجاتها النفطية من دول الخليج العربي، ولكن سيكون مجال التأثر مرتبطا بصورة أكبر بإرتفاع أسعار البترول عالميا وهو ما يتوقع أن يحدث، إذا ما وقعت الحرب، ولا تستطيع مصر فى الفترة الحالية تحمل تبعات ذلك.

    إسلام عبد المجيد عيد أكاديمي وباحث سياسي ومختص بشئون الشرق الأوسط

    شاركها.