بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات…

    بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات والاستثمارات.)

    Andrew-K.P.Leung_في بداية العمليات العسكرية على أوكرانيا بدا أن الرئيس فلاديمير بوتين يفقد سيطرته على الوضع حيث ضحي بعدد ضخم من الجنود والمعدات مع القليل من المكاسب الإقليمية أو الاستراتيجية. ونتيجة لذلك، شعرت واشنطن بالإضافة لحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة بالانتصار وبأن تهور بوتين قد سبب له نتائج عكسية لا تصدق.

    وانشغل الاعلام الغربي في التكهن بأشياء مثل: الهزيمة الروسية المخزية والوشيكة، أوكرانيا التي أصبحت متحدة بشكل أكثر قوة، أوروبا وحلف شمال الأطلسي بقيادة أمريكا العالمية المناهضة لروسيا، الانهيار المحتمل لنظام بوتين، وأخيراً انسحابه وانتهاء أمره إلى مصحة صحية في روسيا.

    وعلاوة على ذلك، فقد كان الاستراتيجيون الأمريكيون المعنيون بشؤون الصين يهنئون بعضهم البعض لكون الولايات المتحدة ستتمكن أخيرًا من اخضاع الصين جيو سياسياً. فالصين -كما قال وزير الخارجية أنتوني بلينكين في خطابه عن سياسة الصين في جامعة جورج واشنطن في 26 مايو 2022 والذي يدعي فيه بلغة معسولة عن عدم رغبته في قيام حرب باردة ضد الصين- هي الدولة الوحيدة التي لديها النية لإعادة تشكيل النظام الدولي بالإضافة لامتلاكها القوة الاقتصادية، الدبلوماسية، العسكرية والتكنولوجية والتي تزداد بمرور الوقت للقيام بذلك. إضافة لذلك فقد تهلل واستبشر البعض من النخبة المثقفة في أمريكا بامتداد قرن من بقاء أمريكا في الصدارة.

    مع ذلك، يؤكد الرئيس الأوكراني زيلينسكي أن روسيا تسيطر الآن على حوالي 20٪ من أوكرانيا. ويُنظر لذلك على أنه “الخطة ب “للرئيس بوتين والتي تركز على احتلال منطقة دونباس بجسر بري محتمل للربط بين روسيا وبين شبه جزيرة القرم التي تحتلها. وأكد زيلينسكي أن روسيا لن تتراجع حتى تحقق جميع أهدافها معتمدة على حرب الاستنزاف المطولة مع أوكرانيا وداعميها من الغرب.

    وستتحمل أوروبا العبء الكبير من نقص الطاقة والغذاء بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار والتضخم ومخاوف الركود المطول.

    الآن وبعد مرور أكثر من 100 يوم على الحرب، بدأ التحالف الغربي يشعر بموقف أوكرانيا الضعيف وانهاكها وفقًا لصحيفة الفاينانشيال تايمز (Financial Times).

    قامت شركة غازبروم بقطع ما لا يقل عن 20 مليار متر مكعب من إمداداتها السنوية من الغاز إلى ستة دول أوروبية، بولندا، بلغاريا، فنلندا، الدنمارك، ألمانيا وهولندا وذلك لفشلها في تنفيذ الطلب الانتقامي للرئيس بوتين في مارس ودفع مستحقات الشركة بالروبل. وتمثل تلك الإمدادات ما يقرب من 13٪ من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي السنوية من الغاز الروسي.

    في حين أن بعض الدول الأوروبية نجحت في التغلب على تلك القيود عن طريق تحويل اليورو إلى العملة الروسية عن طريق أحد البنوك الروسية التي حددها بوتين. لذا فمن غير المرجح أن تستبدل واردات النفط البحري أو من الشرق الأوسط أو أمريكا تلك الإمدادات القادمة عبر الأنابيب الروسية المتاحة بشكل أسهل. ولن يكون ذلك حلاً لوجستيًا أو اقتصاديًا سلسًا.

    حتى وإن قامت أوروبا بتخزين إمدادات الطاقة استعدادًا للشتاء المقبل، فمن غير المرجح أن تكون هذه الاحتياطات كافية للأسر فضلاً عن الأنشطة الاقتصادية الواسعة في أوروبا.

    وإضافة لذلك، تعد روسيا المصدر الأكبر للقمح في العالم حيث تشكل أكثر من 18٪ من الصادرات الدولية. وفي عام 2019 قملت روسيا وأوكرانيا معًا بتصدير ما يقرب من ال 25.4٪ من القمح العالمي وفقًا لمرصد التعقيد الاقتصادي (OEC).

    تقوم روسيا أيضًا بتصدير ما يقرب من 20٪ من صادرات العالم من أسمدة النيتروجين بالاشتراك مع جارتها الخاضعة للعقوبات بيلاروسيا، تصدر أيضاً 40٪ من صادرات العالم من البوتاسيوم. الآن وبفضل العقوبات الغربية والقيود المفروضة على روسيا بشأن تصدير الأسمدة أصبحت هذه السلع محظورة على كافة مزارعي العالم. ولهذا السبب دعا رئيس الاتحاد الأفريقي -الرئيس السنغالي ماكي سال- الرئيس بوتين في 3 يونيو لطلب المساعدة في تحرير صادرات الحبوب الأوكرانية.

    وفي نفس الوقت فإن ارتفاع أسعار موارد الطاقة والموارد الزراعية في جميع أنحاء العالم تعزز من موقف الخزائن الروسية وتقوي الروبل الروسية بدلاً من إضعافها.

    بعد وصف المملكة العربية السعودية بالدولة المنبوذة بعد مقتل الصحفي والمعارض السعودي جمال خاشقجي في عام 2018، فمن غير المرجح أن تسفر زيارة الرئيس بايدن الودية والتي يخطط لها للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن نتائج مرضية فيما يخص سياسة إنتاج وتسعير النفط السعودي الراسخة منذ فترة طويلة. وعلاوة على ذلك، تعتبر الزيادات المفاجئة في أسعار موارد الطاقة بمثابة ثروة للسعوديين ومنتجي النفط الرئيسيين الآخرين في منطقة الشرق الأوسط.

    ومن جهة أخري، فقد عادت التصنيفات المحلية للرئيس بايدن لحالة الركود مما يزيد من احتمالات خسارة الكونجرس في انتخابات التجديد في منتصف الفترة الرئاسية في الخريف ومجازفة بايدن بأن يصبح “البطة العرجاء -مصطلح سياسي أمريكي يطلق على الرئيس في السنة الأخيرة من عهده عندما يفتقر للدعم السياسي المطلوب لإعادة انتخابه-” فيما تبقى من فترته الرئاسية.

    ورغم الوضع الحالي فإن الولايات المتحدة مستعدة للغاية لتقسيم العالم إلى معسكرين وتبرر بذلك أنها تقوم بصراع القرن بين الديمقراطية والسلطوية.

    ومن ناحية أخري، وعلى الرغم من العقوبات الصارمة والقيود الشديدة، فوفقًا لمركز الصين والعولمة (CCG) ببكين قد سجلت التجارة العالمية عام 2021 رقماً قياسياً قدره 28.5 تريليون دولار، بزيادة 25٪ سنوياً وتفوقت على احصائيات 2019 قبل اندلاع جائحة كورونا بنسبة 13 ٪. ورغم كل تلك الأقاويل عن الانفصال فقد ازدادت التجارة بين الولايات المتحدة والصين بنسبة أكثر من 20٪ عن العام الماضي لتصل إلى 687.2 مليار دولار. حتى مع الحرب في أوكرانيا فمن المتوقع أن تنمو التجارة العالمية في عام 2022 وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ. وبالنسبة للصين على وجه الخصوص فهي أكثر اندماجًا في الاقتصاد العالمي من أي وقت مضى. في عام 2021 ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بمقدار الثلث إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 334 مليار دولار. وفي الربع الأول لهذا العام نما بمعدل يزيد عن 25٪ سنوياً. اضغط هنا.

    ويوضح ذلك مدى قوة وصمود مركزية الصين في سلاسل التوريد والقيمة المترابطة بين العالم. فبعد كل شيء، لا تزال الصين الشريك التجاري الأكبر لـ 130 دولة حول العالم مقارنة بالولايات المتحدة التي تشارك 57 دولة فقط. ويعزز هذه المركزية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) والتي تتكون من رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) وشركائها التجاريين الرئيسيين – الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا ونيوزيلندا- والتي تمثل ثلث سكان العالم وثلث الإجمالي الناتج المحلي العالمي وتعد الصين بمثابة القلب للتجارة والمعاملات اللوجستية لكل ذلك.

    وتضاعف بكين من تواجدها العالمي بعد أن شهدت الجولة الأخيرة من الحرب العالمية في جنوب المحيط الهادئ توقيع عددًا من اتفاقيات التعاون والقانون المشتركة.

    ويمثل ذلك امتدادًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI) الضخمة والتي يتم الآن معالجتها لتلائم المخاوف المتعلقة بالقدرة على تحمل الديون، الشفافية، حوكمة الشركات والاستدامة البيئية. وتغطي مبادرة الحزام والطريق بالفعل البر والبحر في آسيا، إفريقيا، أوراسيا وأوروبا ويضاف إلى ذلك مبادرة “طريق الحرير القطبي” التي تستفيد من مسار الدائرة القطبية الشمالية القصير جداً والذي يربط المحيط الهادئ بالمحيط الأطلسي بفضل الاحتباس الحراري و “طريق الحرير الرقمي” الذي يربط الأعمال التجارية في جميع أنحاء العالم بما في ذلك كابلات الاتصالات السلكية واللاسلكية تحت سطح البحر.

    يتمثل أحد الاعتبارات الاستراتيجية الرئيسية لمبادرة الحزام والطريق في تحييد التهديدات التي تشكلها نقاط الاختناق مثل مضيق ملقا في سنغافورة الذي يسيطر عليه الأسطول الأمريكي السابع. ويمكن لموارد الطاقة والتجارة الدولية – واللذان يمثلان شريانا الحياة الاقتصادية للصين- العبور براً عبر الدول الصديقة للصين في أوراسيا والشرق الأوسط والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) بما في ذلك ميناء جوادر.

    باستثناء الإجماع بين الحزبين الأمريكيين على مواجهة الصين، تظل الولايات المتحدة دولة منقسمة سياسيًا وبشدة مما يقوض مزاياها التي لا تضاهى في الجغرافيا، الموارد الطبيعية، التكنولوجيا، الثقافة الشعبية، الحلفاء الغربيين والهيمنة المالية والعسكرية. وهي الآن منخرطة في حرب على جبهتين ضد كل من روسيا صاحبة أكبر مساحة أرضية في العالم والصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم والتي ستصبح قريبًا صاحبة أكبر اقتصاد في العالم. وتكافح أمريكا بأفضل السبل للاستمرار في استخدام “امتيازها المبالغ فيه” في طباعة النقود لدعم اقتصادها بدون الخوف من خسارة الثقة العالمية بالدولار.

    من ناحية أخري، تمضي الصين قدماً في استكمال محطة الفضاء الخاصة بها “تيانجونج” بمفردها بحلول نهاية هذا العام. والتي ستحل في النهاية محل محطة الفضاء الدولية (ISS) التي تقودها الولايات المتحدة والتي تبلغ من العمر 21 عامًا والتي تم تمديد عمرها الإنتاجي مرارًا وتكرارًا حتى عام 2031. وقد كانت محطة الفضاء الدولية تستبعد الصين منذ البداية.

    وستكون هذه الخطوة بمثابة إثبات للقدرات التكنولوجية للصين بما في ذلك سبقها في مجالات مثل شبكات الجيل الخامس 5G، وال Big Data، وإنترنت الأشياء (IoT)، والتقنيات التي من المقرر أن تغير حياة الناس وكيف تُدار الأعمال في “الثورة الصناعية الرابعة” للقرن الحادي والعشرين. وتهيمن الصين بالفعل على أنظمة الدفع الإلكتروني العالمية. حيث تطور سريعًا عملة رقمية سيادية (اليوان الرقمي) والتي من المقرر أن تحد من هيمنة الدولار من عدة نواحي مع الأخذ في الاعتبار مكانة الصين كأكبر تاجر ومصنع ومركز لوجستي في العالم.

    تحقق الصين أيضًا تقدمًا في مجال الاندماج النووي وهو مصدر للطاقة المستدامة التي لا نهاية لها وفقًا لصحيفة South China Morning Post بتاريخ 11 نوفمبر 2021مما يكمل مكانة الصين الرائدة في مجال الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، والطاقة المائية المتجددة بالإضافة إلى كونها أصبحت أكبر منتج ومسوق للمركبات الكهربائية في العالم. يبدو أن البلاد في طريقها لتحقيق تعهدات اتفاقية باريس الخاصة بـ “ذروة الكربون” بحلول عام 2030 و “حياد الكربون” بحلول عام 2060.

    أطلقت الصين أسرع أجهزة حواسيب الكم القابلة للبرمجة في العالم والتي تعد أقوى بمليون مرة من أقرب المنافسين لها -سيكامور من Google- وفقًا لتقرير بتاريخ 26 أكتوبر 2021 منSouth China Morning Post.

    ووفقًا لورقة بحثية في أغسطس 2021 من جامعة جورج تاون فبحلول عام 2025، ستخرج الجامعات الصينية سنوياً 77000 من خريجي الدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) مقارنة بـ 40.000 في الولايات المتحدة. وإذا تم استبعاد الطلاب الدوليين من الولايات المتحدة فسوف يفوق عدد خريجي الدكتوراة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الصينيين عدد نظائرهم في الولايات المتحدة بأكثر من ثلاثة إلى واحد.

    وتعاني الصين بعض المشاكل التكنولوجية المهمة والتي تمثل عنق زجاجة لها مثل مشكلة رقائق أشباه الموصلات الدقيقة المتطورة (الأصغر من 10 نانومتر). ومع ذلك، فإن افتراض أن الصين ستظل معطلة لفترة طويلة لهو تقليل من مقدرة الصين على الصمود التكنولوجي.

    أما عسكريا، فقد واكبت الصين الركب بسرعة فائقة. فوفقًا لتقرير 18 ديسمبر 2019 بعنوان The New Missile Gap في مجلة The National Interest فإن أمريكا تخسر مكانتها أمام الأسلحة الروسية والصينية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والتي تشمل: نظام القصف المداري الجزئي (FOBS) الصيني والذي يمكنه الإبحار حول العالم في جميع الاتجاهات قبل ضرب الأهداف برؤوس حربية موجهة، فوق صوتية ومتعددة  قادرة علي تعطيل أنظمة الدفاع الصاروخي الموجودة.

    كما يُظهر تقرير مركز بلفر لجامعة هارفارد كينيدي الصادر في ديسمبر 2021 أن زمن التفوق العسكري الأمريكي قد ولى فكل المجالات الجوية، البرية، الفضاء، العالم الرقمي أصبحت الآن موضع منافسة بين روسيا والصين. بالنسبة لتايوان، يعترف التقرير أنه بفضل قدرات الصواريخ المضادة للطائرات والموجهة بالأقمار الصناعية (A2 / AD)، تمتلك الصين القدرة على فرض أمر واقع وقبل أن تتمكن واشنطن من التفكير في كيفية الرد.

    وبجانب كل ذلك فقد كانت بكين تتعلم بحرص من دروس العملية العسكرية الروسية المتوقفة في أوكرانيا.

    وعلى الرغم من ذلك ففي 23 يونيو 2021 أدلى رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي بشهادته أمام الكونجرس أنه لا يرى أي مخاطر على المدى القريب وقبل عام 2027 لغزو الصين لتايوان بسبب افتقارها إلى القدرة العسكرية الكاملة للسيطرة على جميع الجوانب.

    وشدد الرئيس شي على أن الاتحاد بتايوان يظل جزءًا أساسيًا من “حلم الصين” الذي يتعين تحقيقه قبل عام 2049 الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. ومع ذلك، فبعد كتاب “فن الحرب” للحكيم الصيني صن تزو، يظل التوحيد السلمي هو الخيار الأول.

    ومن العقبات الرئيسية التي يتعين على الصين التغلب عليها، هو تدهور التركيبة السكانية. فجانب الروبوتات والرقمنة؛ وسياسة الثلاثة أطفال مع حوافز ودعم للولادة، تعتمد الصين في تعزيزها الإنتاجية من خلال النقل عالي السرعة المتوفر على مستوى البلاد.

    تمثل شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في الصين ثلثي الإجمالي العالمي. وسيتضاعف هذا تقريبًا ليصل إلى 70000 كيلومتر خلال الخمسة عشر عامًا القادمة. وسيربط ذلك بين جميع المدن التي يزيد عدد سكانها عن النصف مليون نسمة بينما سيربط 200 ألف كيلومتر إضافي من السكك الحديدية الحديثة جميع البلدات التي يبلغ عدد سكانها 200000 نسمة وما يفوق ذلك. حتى الأجزاء النائية من البلاد يجب أن تكون متصلة. سيؤدي هذا إلى تسريع معدل التحضر في الصين من 60.6٪ في عام 2019 إلى 65٪ مما يضاعف الطبقة المتوسطة من المستهلكين في الصين إلى 800 مليون بحلول عام 2035. يتم تشكيل مجموعات مدن مختلفة بالاستفادة من اتصال النقل المتبادل. وكل ذلك من شــأنه أن يعزز الإنتاجية الإجمالية للبلاد.

    ولحل مشكلة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي الآخذة في الاتساع، تتبنى الصين استراتيجية “الرخاء المشترك” والتي تستهدف السلوك الاحتكاري أو التكتلات الغنية في البلاد. ويعد هذا جزء من استراتيجية الرئيس شي لبناء “الصين 3.0” مما يخلق دولة أكثر عدلاً، صحة، قوة، وأكثر استدامة من الناحية البيئية لتحقيق حلم الصين.

    يفسر التحول الاقتصادي المعجز في الصين في العقود الأخيرة الدعم الخارق للشعب الصيني (والذي يشكل أكثر من 90٪) للحزب الشيوعي الصيني (CCP) والذي يتفوق على العديد من البلاد بما في ذلك الولايات المتحدة وفقًا لدراسات كلية هارفارد كينيدي الأخيرة.

    كما يشير كيشور محبوباني -الأكاديمي، الدبلوماسي والاستشاري الجيوسياسي السنغافوري المشهور عالميًا- في كتابه هل فازت الصين؟ (بابلك أفيرز، نيويورك، 2020- Public Affairs) فبينما شهد النصف السفلي من أمريكا ركودًا في الدخل على مدار الثلاثين عامًا الماضية يعيش النصف السفلي من الصينمر أفضل حياة على الإطلاق على مدار ال 4000 عام الماضية! وهو رد مدوي على شكوك الغرب المستة حول شرعية الحزب الشيوعي الصيني.

    وعندما تنتهي الحرب في أوكرانيا في يوم ما، فمن المرجح أن تصبح روسيا ضعيفة ومنبوذة بالإضافة لأوكرانيا المدمرة والمقسمة إلى جانب حلف الناتو الممتد الذي يشمل فنلندا والسويد. لذا فمن المحتمل أن تحرص روسيا المرنة والمتوترة المحاطة بالأعداء على الصداقة مع الصين وبدون تحفظات كما أن البلدين يعدان ألد أعداء أمريكا.

    فعلى وجه الخصوص، ستعتمد روسيا على الصين كأكبر عميل لها في صادرات موارد الطاقة والزراعة، ومن المرجح أن يتوسع الإنتاج الأخير بفضل الاحتباس الحراري. ومن المتوقع أيضاً أن تستحوذ التجارة والاستثمارات الصينية على الأسواق المحلية لروسيا التي تركتها الشركات والعلامات التجارية الغربية.

    وعلى الرغم من كونها بوابة لبقية أوروبا فإن أوكرانيا على الأغلب ستستأنف التعامل مع الصين كأكبر مستورد للقمح والمعادن. وعلاوة على ذلك سيتم الترحيب بمبادرة الحزام والطريق كفارس أبيض ذو محافظ ممتلئة لإعادة إعمار أوكرانيا.

    وبسبب الحيطة والحذر من “التهديد الصيني” المهدد لأمن وقيمة الاتحاد الأوروبي فمن غير المرجح أن يعود إلى علاقته السابقة بالصين. وأثناء الاعتماد على القيادة الأمريكية والقوة العسكرية المشتركة لحلف الناتو لردع روسيا التي تشعر بالمهانة، من المرجح أن تعزز الدول الرائدة مثل ألمانيا، فرنسا، إيطاليا وإسبانيا من قدراتها الأوربية المتزايدة التي تشمل الجيش لإدارة شؤون الاتحاد الأوروبي المستقلة والاعتماد بشكل أقل على الولايات المتحدة.

    وبالتالي فإن موقف أوروبا العام تجاه الصين قد لا يكون متوافقا بشكل كامل مع الموقف الأمريكي. فمن ناحية، ستشيد جدران الحماية والضمانات ضد تهديدات الصين المتخيلة، ومن ناحية أخرى، فمن المرجح أن تسعي للاستفادة من مؤسساتها وتقاليدها الممتازة لتعزيز علاقة بناءة أكثر مع الصين الأكثر قوة والتي تتوجه بدورها أكثر نحو أوروبا وأوراسيا بعيداً عن الولايات المتحدة المعادية. ومن المحتمل أن يُترجم هذا على ارض الواقع على أقل تقدير إلى المزيد من التجارة، الاستثمارات، البحوث، وتبادل الشعوب بين الاتحاد الأوروبي والصين

    في النهاية، يبدوا أن الحرب في أوكرانيا تعد بتغيير في قواعد اللعب بين دول العالم. حيث فضحت نقاط ضعف روسيا وأوكرانيا كما أظهرت مدي قدرة كل منهما على الصمود. وتبشر بديناميكيات عالمية أكثر انسجامًا مع سعي الصين لتحقيق حلمها الصيني بالنهضة الوطنية أكثر من أمل الولايات المتحدة في عدم الاضطرار إلى تقاسم السلطة مع منافس صاعد يعد نداً لها من حضارة وثقافة وعرق وأيديولوجية مختلفة تمامًا.

    في نهاية المطاف، ثمة سؤال ملح وهو “إذا ما كانت العقلية والسياسة المدعاة الحالية للولايات المتحدة المناهضة للصين تحتاج إلى تعديل كبير إذا كان النظام العالمي سيُدار بشكل صحيح للحفاظ على السلام والازدهار لجميع الدول؟”.

    بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات والاستثمارات.)

    (الآراء الموضحة في هذا المقال هي وجهة نظر المؤلف فقط ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر World Geostrategic Insights).

    حقوق نشر الصورة: رودريجو (Rodrigo Abd/AP)

    شاركها.