بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات…

    اسلام عبد المجيد عيد

    مع إستمرار الخلاف بين دول منطقة شرق المتوسط، على تعيين الحدود البحرية المشتركة بين تلك الدول، خاصة مع تعقد الوضع بليبيا وحالة عدم الإستقرار التى تسودها وإختلاف مصالح الفرقاء الليبيين مع دول المنطقة، فالغرب الليبي يميل إلى تركيا، والشرق الليبي على توافق مع مصر واليونان، يفاجئ الجميع، بقيام الرئيس السيسي بإصدار قرار جمهوري لتحديد الحدود البحرية الغربية لمصر فى البحر المتوسط بشكل منفرد، وإخطار منظمة الأمم المتحدة بذلك، ليخلق هذا القرار المصري حلقة جديدة من النزاع حول الثروة النفطية وتحديدا الغاز الطبيعي المتواجد بحوض البحر المتوسط، ولكن ما تشير له المؤشرات الحالية أن وقع هذه الحلقة الجديدة من النزاع أخف كثيرا من سابقيه، حيث من الممكن أن يكون خلف هذا القرار توافق نسبي بين دول المنطقة.

    تفاصيل القرار وأهدافه الفعلية

    نص القرار الجمهوري الذى أصدره الرئيس السيسي بتحديد الحدود البحرية الغربية لمصر، على أن  تبدأ حدود البحر الإقليمي لمصر من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية النقطة رقم 1 ولمسافة 12 ميلا بحريا وصولا إلى النقطة رقم 8، ومن ثم ينطلق خط الحدود البحرية الغربية لمصر من النقطة رقم 8 في اتجاه الشمال موازيا لخط الزوال 25 شرق وصولا إلى النقطة رقم 9، على أن تخطر مصر الأمم المتحدة بهذا القرار.

    سلام عبد المجيد عيد
    اسلام عبد المجيد عيد

    القرار يعد إستباقيا من الجانب المصري، وذلك بغرض المحافظة على مكاسب مصر من الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط، وذلك تزامنا مع الإكتشافات النفطية الأخيرة بتلك المنطقة، فترسيم الحدود الذى قامت به مصر من جانب واحد، سيسمح لمصر بالتنقيب عن الغاز الطبيعي، وستقوم نتيجة لذلك الشركات الأجنبية بالتنقيب بصورة دائمة، حيث أن تلك الخطوة المصرية هى خطوة قانونية ، لإبعاد مصر عن الدخول بأي منازعات مع الدول المجاورة بمنطقة البحر المتوسط، فيما ستحقق مصر من هذه الخطوة مكاسب مادية وإستثمارية كبيرة.

    وذلك لتعذر توقيع إتفاقية مشتركة بين دول المنطقة لتعيين الحدود البحرية بينهم حاليا، وبإخطار مصر للأمم المتحدة بهذا القرار فبذلك يصبح القرار بصيغة رسمية، وبدورها ستبلغ الأمم المتحدة ليبيا بهذا القرار كما ستبلغ الدول المجاورة الاخرى بذلك، وكانت الشركات النفطية العالمية ترفض على مدى سنوات المشاركة بالعمل بتلك المناطق، طالما انها تعد مناطق نزاعات، لذا فمصر لم يكن امامها سوى ان تقوم بالترسيم من جانب واحد، حيث أن الهدف الأكبر لمصر حاليا إعداد هذه المناطق جيدا لطرحها أمام تلك الشركات للتنقيب عن الغاز.

    بجانب ذلك، فمصر تدرك مدى أهمية القرار بالنسبة لها بغض النظر عن التداعيات الخارجية، فمنطقة حوض البحر المتوسط يوجد بها أكثر من 200 تريليون قدم مكعب من الغاز، وما تم إكتشافه منها حتى الآن لم يتجاوز 10% فقط من الإحتياطات المتواجدة بها، كما أن إكتشاف شركة شيفرون الامريكية العاملة بمجال التنقيب لحقل غاز جديد بمنطقة البحر المتوسط وتحديدا أمام مدينة العريش، شجع مصر بسكل كبير على إتخاذ مثل هذا القرار الجرئ لزيادة حصتها من الغاز بالبحر المتوسط.

    تأثير القرار على العلاقات مع دول الجوار

    لن تواجه مصر مشاكل واضحة نتيجة لترسيم الحدود مع ليبيا من جانب واحد، فالأطراف الليبية حاليا غير متوافقة فيما بينها على طبيعة العلاقات مع الأطراف الخارجية ذاتها، كما أن مصر بشكل كبير أصبحت لا تعترف بشرعية حكومة الدبيبة بطرابلس، بالإضافة أن حكومة الدبيبة أيضا لاتسيطر على المنطقة الشرقية والتى تقع على الحدود البرية والبحرية مع مصر، بينما تمتلك مصر علاقات جيدة مع خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي وحكومة فتحي باشاغا المتواجدين بالشرق الليبي، حيث الحدود المشتركة مع مصر.

    وعلى إثر ذلك التزمت الأطراف بالشرق الليبي بالحياد النسبي تجاه تلك القضية، بينما كان هناك إعتراض متوقع من جانب حكومة الدبيبة التى اعتبرت القرار المصري ترسيما غير عادل بموجب القانون الدولي، بداعي أن مصر قامت بالترسيم من جانب واحد، ولكن فى الوقت ذاته فشرعية حكومة الدبيبة ذاتها محل شك، وذلك لإنقضاء إتفاق جنيف يوم 21 يونيو 2022، وهو ما يجعل موقف حكومة الدبيبة بالتأكيد ضعيفا فى حال أرادت إتخاذ قرارات حساسة فى ذلك الشأن او تصعيده دوليا.

    ومصر أيضا، تضمن رضا حلفاؤها بالمنطقة عن القرار كقبرص واليونان، والتى قامت مصر سابقا بترسيم الحدود البحرية معهم، وبالتالي لن توجد أزمة بينهم كشركاء فى مجال الغاز الطبيعي بشرق المتوسط، خاصة ان مصر قد تكون أطلعت وزير الخارجية اليوناني فى زيارته الاخيرة لمصر نهاية شهر نوفمبر الماضي، عن السعى نحو هذه الخطوة، ولعل توقيع الجانبين المصري واليوناني لعدة إتفاقيات مشتركة أثناء تلك الزيارة هو دليل على تفاهم البلدين للتحركات الخاصة بكل دولة بمجال الطاقة.

    على الجانب الآخر، فالعلاقات المصرية مع تركيا حاليا فى أعلى مستوى لها منذ تولي الرئيس السيسي لمنصبه، وذلك عقب اللقاء الثنائي الذى جمع بين الرئيس السيسي ونظيره أردوغان بقطر خلال الشهر الماضي، بل وقام الجانبان بعقد لقاءات ثنائية على الجانب الإستخباراتي، ولاشك أن مجال الطاقة هو أهم النقاط المشتركة التى تهم الجانبين، وقد تكون مصر أبلغت تركيا خلال تلك اللقاءات بنيتها على إتخاذ قرار الترسيم.

    كما أن الرئيس التركي أردوغان حاليا، لايملك أسلحة كثيرة ليناور بها مع مصر، بعد توقيع وزارتي الخارجية التركية ووزارة خارجية الدبيبة بأكتوبر الماضي على إتفاقية للتنقيب عن الغاز بالمياه الليبية، بل وقد تكون الخطوة الأخيرة من الجانب المصري ردا علي تلك الخطوة أيضا، خاصة أن اردوغان حاليا يصب تركيزه على الإستعداد للإنتخابات الرئاسية العام القادم، ويسعى للتصالح مع خصومه لكسب تقة الناخبين داخل تركيا، حيث أن الخلافات التى افتعلها أردوغان مع دول جوار تركيا كانت محل إنتقاد كبير من المعارضة التركية والسكان المحليين بشكل عام، ومصر بكل تأكيد ابرز تلك الدول ما يعني أن الجانب التركي لن يكون متشددا أو معارضا بشكل واضح لتلك الخطوة المصرية، فحملة أردوغان الإنتخابية تركز بشكل كبير على عودة العلاقات التركية مع كلا من مصر بصورة أساسية وسوريا الأسد بشكل أقل نسبيا.

    إسلام عبد المجيد عيد أكاديمي وباحث سياسي ومختص بشئون الشرق الأوسط

    شاركها.