بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات…

    اسلام عبد المجيد عيد

    تعيش منطقة الشرق الأوسط، منذ عام 2011، كما هائلا من التحولات التي كان لها عظيم الأثر، في تغيير توازن النفوذ الإقليمي والدولي بالمنطقة، فمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام تعتبر ساحة الإختبار الأولي للنفوذ العسكري والمساعدات العسكرية عموما التي تقدمها القوي الإقليمية والدولية.

    سلام عبد المجيد عيد
    اسلام عبد المجيد عيد

    تتكون القوة العسكرية بشكل عام، من قوات الدولة المسلحة بفروعها المتعددة المتواجدة برا،وبحرا،وجوا، اضافة الي السلاح الذي تعتمد عليه،سواءا كان تقليديا أو غير تقليدي، مع العامل الأهم بكل تأكيد وهو الكفاءة القتالية للقوات، إضافة إلى علاقات التعاون العسكري والقائمة علي الجانب الدفاعي التي تربط الدولة بالدول الأخرى، من خلال شقيه المتمثلين في التعاون أو التحالف العسكري، وإلى العنصر العسكري الفرعي المتمثل بالصناعات الحربية والصناعات الأخري المرتبطة بها،كما تشكل هذه القوة، في الوقت ذاته، مورد قوة يمكن أن يشكل ركيزة أساسية تدعم الإقتصاد الوطني .

    حيث ساهمت تلك المساعدات بالإضافة الي استخدام القوي الإقليمية والدولية للقوة العسكرية، في تكرار ما يعرف بحروب الوكالة في المنطقة، فالقوة العسكرية رغم أنها لم تعد عامل التأثير الوحيد والأهم حاليا، إلا أنها لازالت تلعب دور حيوي وهام في هذه المنطقة، بل وتعد عاملا حاسما في تقرير مصير الصراعات والنزاعات بها.

    وتعد دراسة حالة التوازن العسكري للأطراف الفاعلة في المنطقة، من الأشياء المعقدة نسبيا، لإختلاف طبيعة بلدان المنطقة عن غيرها، اضافة الي مدي المصالح الثنائية الإستراتيجية بين الدولة وبين الفاعل الإقليمي أو الدولي علي حد سواء.

    وتكمن أهمية القوة العسكرية، كمحدد هام لقوة الدولة وتأثيرها الخارجي، إذ أنه يشكل عنصر رئيسي، في تحديد مصير الاصطدامات الكبري، بصفته عاملا مهما في تحديد قدرة الدولة الفاعلة في الإيذاء أو التهديد باستخدام العنف، كأحد الأوراق الرابحة الهامة علي مائدة المفاوضات والمساومات.

    اذا فطبيعة المهام التي توكل الي القوة العسكرية، والتي تقوم بها، اضافة الي ما يترتب علي هذه المهام، تجعلها وبلا أدني أشك أبرز عناصر قوة الدولة، فتراجع وتدهور القوة الإقتصادية للدولة قد يؤدي لفقرها، ولكن تدهور قوتها العسكرية سيؤدي حتما لسقوطها.

    وتتعدد القوي الإقليمية الفاعلة في المنطقة والدولية ايضا، وهو ما يشكل تعقد في شبكة الفاعلين في المنطقة، ويطرح تساؤلا هاما بخصوص طبيعة التحالفات المستقبلية بين هذه القوي، وتأثيرها المحتمل علي حالة التوازن الإقليمي.

    أهمية الدراسة:

    تنبع أهمية الدراسة، في التعرف علي القوي الفاعلة الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، لتحديد مدي دورها في المتغيرات التي تحدث علي الساحة، وتحديد دور القوة العسكرية للفاعلين في التأثير علي حالة توازن القوي بالمنطقة.

    تساؤلات الدراسة:

    من هم القوي الفاعلة في الشرق الأوسط؟

    ما طبيعة المتغيرات في المنطقة بعد عام 2011؟

    ما طبيعة حالة التوازن بين القوي الفاعلة في المنطقة؟

    ما دور القوة العسكرية في فرض نفوذ الفاعلين بالمنطقة؟

    ما مستقبل حالة التوازن في الشرق الأوسط؟

    أولا: تحولات موازين القوي في الشرق الأوسط بعد عام 2011

    كان عام 2011، بداية كبري لتحولات جذرية في منطقة الشرق الأوسط بكل تأكيد، فتغيرت المعادلات الإقليمية والدولية في المنطقة كلا علي حدا، فمع بزوغ الدور الهائل لقوتين إقليميتين( تركيا وإيران)، وتراجع التأثير لقوي أخري كمصر والسعودية، مع سقوط دول كالعراق وسوريا وليبيا.

    ظهر ايضا، تحول جديد علي مستوي القوي الدولية الفاعلة في المنطقة، فبعد أن كانت المنطقة تشهد من تسعينيات القرن الماضي، نفوذا أحاديا للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد مع إنهيار الإتحاد السوفييتي، ظهرت موسكو من جديد علي الساحة بصفتها الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي السابق، بل وأصبحت هي الفاعل الرئيسي في سوريا، إضافة لدور بسيط نسبيا في ليبيا، والمتمثل في وجود عناصر من شركة فاجنر لتدريب قوات الجيش الوطني الليبي (قوات حفتر).

    وترتب علي ذلك، تعرض المنطقة في الوقت الحالي لتهديدات عديدة يأتي علي رأسها:

    1-إتساع رقعة تواجد التنظيمات الإرهابية في المنطقة، والتطور الملحوظ لأهدافها من مجرد محاولة التأثير علي القرار السياسي للأنظمة الحاكمة، إلي السيطرة الميدانية وإلإعلان عن كيانات جديدة في صورة دول، بل وتطورت إمكانياتها المادية والعسكرية والتكنولوجية، وإطارها المكاني الذي لم يعد مقتصرا علي نقطة جغرافية معينة، بل أصبح عابرا للحدود، بل وأقامت هذه العناصر آيضا علاقات مع بعض الدول في المنطقة، لتسهيل تحركاتهم، ولمساعدتهم لوجيستيا وتعد أبرز هذه الدول هي تركيا، لم يقتصر دور هذه الجماعات علي ذلك فقط، بل امتد تأثيرها عبر الحدود، كالذي حدث عند إعلان تنظيم بيت المقدس في سيناء وتنظيم بوكو حرام في نيجيريا، مبايعة أبوبكر البغدادي (خليفة ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام).

    2-العديد من دول المنطقة، وبالأخص الدول العربية، كالعراق وسوريا واليمن وليبيا، تحولت من نماذج للدول الهشة، الي نماذج الدول الفاشلة، وذلك طبقا للتقارير السنوية الصادرة عن صندوق السلام التابع للأمم المتحدة، بالتعاون مع مجلة “فورين بوليسي” وذلك منذ عام 2011 وحتي عام 2016، والذي تقع علي رأس قائمته دول المنطقة وخاصة الدول العربية، حيث تقع بعضها علي رأس قائمة الدول الأكثر فشلا، والبعض الأخر في قائمة الدول المتجهة للفشل، وفقا للمعايير التصنيفية لهذا التقرير.

    3-زيادة التدخلات الإقليمية في الشرق الأوسط، ويرجع ذلك إلي الإنقسام الداخلي في هذه الدول، وتغليب المصالح الولائية الخارجية علي مصالح الدولة الوطنية، فعلي سبيل المثال: نجد تواجد تركي في عدد من الدول في المنطقة، كالعراق وسوريا وليبيا، ويقوم هذا التواجد علي دعم كيانات تدين بالولاء لأنقرة كجماعات المعارضة المسلحة في سوريا وبالأخص المتواجدة حاليا في إدلب، وحكومة الوفاق في ليبيا والتي تتواجد في العاصمة (طرابلس) من أجل عملية احتواء أعداء تركيا في المتوسط ، وقطع الطريق علي إتفاقياتهم بخصوص الغاز، وهذه الدول هي (مصر واليونان وقبرص)، المنطقة ايضا تشهد توغل ايراني ملحوظ، وبشكل أقدم نسبيا من التواجد التركي، فايران تعتمد علي وكلائها في المنطقة، لتنفيذ مصالحها بصورة أكبر من تركيا، ففي العراق نجد الميليشيات الشيعية المسلحة وعلي رأسها ميليشيا الحشد الشعبي والفصائل التابعة لها، تخضع جميعها للقرار الإيراني، وتشكل ايضا ضغط كبير علي عملية صنع القرار في بغداد، وفي اليمن، تمثل ايران الداعم الأول للفصائل الحوثية والتي تسيطر علي العاصمة صنعاء منذ عام 2014، وفي لبنان، فايران منذ الحرب الأهلية اللبنانية تمكنت من تأسيس أحد أهم وكلائها في المنطقة وهي ميليشيا (حزب الله)، والتي تتواجد بصفة أساسية كشريك في الحكومة اللبنانية منذ ذلك الحين، بل وتمتلك ما قد يشبه الفيتو علي قرارات الحكومة في بعض الأحيان، أما في سوريا، فعلي مدي عقود كانت طهران ترتبط ولازالت بعلاقات وثيقة مع عائلة الأسد، لدوافع كثيرة منها العداء لنظام البعث العراقي، اضافة للعداء المشترك للولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل، لكن مع بدأ المظاهرات في سوريا في عام 2011، بدأت طهران بالتواجد العسكري علي الأرض، سواءا بمستشاريها من الحرس الثوري أو بالفصائل الموالية لها، ويتم ذلك بالطبع بالتنسيق مع موسكو الفاعل الأكبر علي الساحة السورية.

    4-تراجع دور القوي العربية الكبري (مصر والسعودية)، فمنذ عام 2011، وبدأت مصر تواجه تحديات كبري تهدد أمنها القومي، بالتزامن مع أحداث 25 يناير وما تبعها من وصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة في عام 2012، تعرضت من خلالها البلاد لهزة عنيفة علي كافة الأصعدة، ولازالت تعاني منها حتي الآن، رغم أن غياب الدور المحوري المصري، لا يعد حدثا حديث العهد ولكنه يعود إلي ما قبل توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1979، التي أدت الي عزل مصر عن بعدها الإقليمي العربي، وإنهيار الأيديولوجيا القومية التي كانت تمثل الذراع الفكري للنفوذ المصري في المنطقة، لكن ما يعد حديث العهد نسبيا هو توغل القوي الإقليمية والدولية في العمق الإستراتيجي المصري بعد عام 2011، فمرورا بتدخل الناتو في ليبيا عام 2011، والإطاحة بنظام القذافي، بالتزامن مع أحداث ما يعرف بالربيع العربي، انتهاءا للنفوذ التركي الحالي في ليبيا، اضافة لتوغلها في عمق سوريا، أظهر ذلك بكل وضوح مدي الضعف والتراجع الذي حل بوضع مصر كقوة إقليمية رائدة وتحولها لدولة هزيلة التأثير، علي الجانب الأخر، فالسعودية كانت من ضمن الدول التي أخذت حيزا لا بأس به، وبالتحديد بعد تراجع الدور الإقليمي المصري في سبعينيات القرن الماضي، يرجع ذلك للإمكانيات المادية الهائلة التي تتمتع بها منطقة الخليج بشكل عام، وبدأ الدور السعودي يتزايد، فبدأت تقدم دعم لجماعات سلفية متطرفة في كثير من البلدان العربية، بالتحديد في سوريا والعراق، وبالفعل كان المخطط السعودي أن يتحقق، لولا تدخلات دولية وإقليمية أثبتت عدم قدرة الدعم المادي فقط علي التغيير،فأخذ الدور السعودي منحني آخر من خلال التدخل العسكري الصريح في اليمن فيما عرف بعملية “عاصفة الحزم” ورغم مرور السنوات علي التدخل السعودي في اليمن، إلا أن نتائجه سببت أضرارا كبيرة للجانب السعودي، وأثرت بشكل كبير علي دورها الإقليمي، الذي تراجع بصورة كبيرة لصالح أطراف اقليمية أخري كإيران وتركيا أكبر حلفاء قطر المحاصرة من قبل السعودية وحلفاؤها الإمارات والبحرين ومصر.

    ثانيا: القوة العسكرية كمحدد لحالة التوازن في الشرق الأوسط

    في العصور المعاصرة، بشكل عام لم يعد مفهوم قوة الدولة، مقتصرا علي القوة العسكرية فقط، بل أحيانا يوجد الدور الأكبر لعنصر آخر من ضمن عناصر القوة الصلبة وهو (القوة الإقتصادية)، والمتمثلة في المنح الإقتصادية لبعض الدول، أو التهديد بالعقوبات الإقتصادية من قبل الدول الغنية وعلي رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية.

    علي الجانب الآخر، تلعب القوة الناعمة دور مؤثر للغاية، خاصة مع التطور التكنولوجي الحالي، والعدد الضخم لوسائل الإعلام الدولية المختلفة، في ظل نظام عالمي منفتح ثقافيا بالتحديد علي الثقافة الغربية و قائم علي العولمة التي فرضها جانب أحادي وهي ايضا الولايات المتحدة.

    رغم ذلك لم تفقد القوة العسكرية قدرتها الكبيرة علي تغيير مسار الأزمات لصالح أطراف بعينها، ولم تفقد أهميتها كعنصر اساسي وورقة رابحة في العملية التفاوضية بين الأطراف المتنازعة، وخاصة اذا ارتبط الأمر بمنطقة من أكثر مناطق العالم اضطرابا، ان لم تكن أكبرها وهي الشرق الأوسط بكل تأكيد.

    ويمكن استعراض دور القوي الفاعلة في المنطقة وعنصر القوة العسكرية لديها من خلال:

    1-إيران:

    تعتمد إيران بشكل كبير في استراتيجتها الخارجية، علي الدور الذي يلعبه الحرس الثورى في المنطقة، من خلال تجنيد وكلائها، وعادة ما يكون هؤلاء جهات شبه حكومية، لها نوع من الشرعية وهو ما يسهل من عملية إختراق تلك الدول المعنية، وبذلك هي تهدف إلي تقويض مفهوم وممارسة سيادة الدولة،والقضاء علي الحس المؤسسي لديها، كما ان الموارد اللازمة لبقاء قواعدهم الإجتماعية والسياسية،يجري الحصول عليها من خلال أنشطة غير مشروعة عادة ما تسهلها إيران أيضا وتدعمها. وفي كثير من الأحيان، يكون الأكثر ربحا فيها، كما هو الحال في لبنان والمناطق الحدودية مع العراق، هو إنتاج المخدرات وتهريبها.

    ففي الدول التي تمتلك فيها إيران النفوذ في المنطقة، وخاصة الرباعي (لبنان-العراق-سوريا-اليمن)، تقدم إيران في ثلاث منها وهم العراق وسوريا ولبنان، الدعم لجهات شبه حكومية، ففي لبنان ساهمت طهران بتأسيس حزب الله اللبناني بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، بهدف زيادة نفوذها علي حساب قوي إقليمية أخري كإسرائيل والسعودية، أما في العراق، فقد ساهمت طهران بشكل مباشر في تشكيل منظمة بدر في العراق عام 1982 أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ثم بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، سنحت الفرصة لظهور العناصر التي استلهمت أفكارها من الثورة الإسلامية في ايران، وعلي رأسها حزب الدعوة والتيار الصدري، مما سهل من مهمة طهران في السيطرة علي عملية صناعة القرار في العراق، أما في سوريا، فايران فقط تدعم نظام الأسد الهش ، نظرا للعلاقات القديمة بين طهران ودمشق، فضلا علي تواجد الميليشيات التابعة لإيران علي الساحة السورية كحزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية العراقية التابعة لهيئة الحشد الشعبي.

    أما في اليمن، فايران تقدم الدعم للحوثيين، وهو فصيل غير معترف بشرعيته دوليا، وتهدف بذلك للتضييق علي السعودية والحد من نفوذها في اليمن، ويرجع ذلك لحظر الأمم المتحدة لتصدير السلاح للحوثيين، وهو ما يعزز من إعتمادهم علي ايران وذراعها العسكري في المنطقة وهو الحرس الثوري.

    وتتمثل وسائل استخدام القوة العسكرية الإيرانية في المنطقة فيما يلي:

    في الأغلب إيران، لا تعتمد علي قوة عسكرية متواجدة خارجيا، فهي فقط بارسال قيادات من عناصر الحرس الثوري الإيراني، لدول المنطقة لتقديم الدعم اللوجيستي لوكلائها، بسبب ثقة القيادة الإيراني في عناصر التنظيم،ويعملون على تمكينها من رئاسة المستشارين الإيرانيين والقادة المحليين، الذين يسمح لهم بدورهم بالعمل بصفة مستقلة ضمن الإطار الأوسع لمتابعة مبادئ الثورة الإسلامية.

    لكن يقوم النفوذ الإيراني في المنطقة بالإعتماد بشكل أكبر علي المساعدات العسكرية، سواءا من الجانب المادي أو تصدير السلاح، وتفيد وكالة أبحاث الكونغرس أن إيران تقدم الى حزب الله ما يقارب 700 مليون دولار سنويا كإجمالي مساعدات اقتصادية وعسكرية، ومن ناحية أخري قدمت ايران لحزب الله منظومات صاروخية للدفاع الجوي، ساهمت بشكل كبير بتحقيق حزب الله لبعض المكاسب العسكرية ضد اسرائيل في عام 2006.

    وتشير تقارير أن إيران تقدم لنظام الأسد في سوريا حوالي 6 مليارات دولار سنويا،تشير بعض الأدلة إلى أن الدعم المُقدم للميليشيات وللأحزاب الشيعية المدعومة من إيران في العراق منذ 2014 قد بلغ حوالي مليار دولار سنويا،أما الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن فيتم انتهاكا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، مما يجعل مسألة الحصول على أرقام موثوق بها عملية غاية الصعوبة،والمساهمات الإيرانية لقدرات الحوثيين في مجال الصواريخ الباليستية التي مكنتهم من تهديد الرياض وجدة من ضواحي صنعاء مثال آخر على استخدام إيران قدراتها البسيطة نسبيا مقارنة بقدرات القوي الأخري من أجل تعزيز نفوذ وكلائها ،أما إمداد إيران للمليشيات المستفيدة في العراق بذخائر الكاتيوشا والإمكانات الصاروخية البسيطة، فقد فرض ضغطا استراتيجيا على الولايات المتحدة لإنهاء احتلالها العسكري للعراق، وبالتالي حققت مكسبا استراتيجيا ضد الولايات المتحدة وفي الوقت نفسه ساهمت بالحد من سيادة الدولة بالعراق.

    2-روسيا:

    بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فالروس لهم تاريخ طويل من حيث التواجد العسكري بالمنطقة، إبان حقبة الإتحاد السوفييتي، فالمستشارين العسكريين السوفييت كانوا يتواجدون بكثافة في المنطقة سابقا، وبالتحديد في مصر عبد الناصر وسوريا الأسد، إضافة الي الدعم العسكري وامدادات السلاح التي كانت تقدم لهذه الدول.

    ومع عودة روسيا مرة أخري، علي خارطة القوي الكبري في العالم، بقيادة فلاديمير بوتين، وجهت موسكو من جديد أنظارها صوب الشرق الأوسط، وبالتحديد مع إندلاع الأزمة في سوريا، إلي تدخلها العسكري في أواخر عام 2015، وتركز التواجد العسكري الروسي في سوريا، في البداية علي القوات الجوية الروسية، وهو ما قد صرح به بوتين أمام مجلس الإتحاد الروسي حيث قال “أولا سندعم الجيش السوري فقط في كفاحه الشرعي ضد التنظيمات الإرهابية تحديدا…وثانيا سيكون هذا الدعم جويًا فقط دون مشاركة في العمليات البرية”، ولقد كانت الضربات الجوية الروسية بالفعل كفيلة بقلب طاولة الصراع لصالح النظام في فترة وجيزة، وبدأت روسيا بعد ذلك تتواجد علي الأرض من خلال مستشاريها العسكريين، بعد منح النظام السوري لموسكو بحق التصرف في عدد من القواعد العسكرية بالبلاد وعلي رأسها قاعدة حميميم الجوية، في مدينة اللاذقية، وتستخدمها موسكو منذ العام 2015، إضافة لقاعدة طرطوس البحرية، وهي القاعدة الوحيدة لروسيا في البحر المتوسط، وقد أعيد استخدامها من قبل موسكو ضمن اتفاق وقع عام 2017، يقضي بتعزيز الوجود العسكري الروسي جويا وبحريا في سوريا، وفي مايو من العام الحالي، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما، أوعز فيه لوزيري الدفاع والخارجية الروسيين، ببدء محادثات مع الجانب السوري، بشأن تسليم العسكريين الروس المزيد من المنشآت، وتوسيع وصولهم البحري في سوريا.

    ووافق بوتين في المرسوم على اقتراح الحكومة الروسية بشأن التوقيع على البروتوكول رقم 1، والخاص بـ”تسليم ممتلكات غير منقولة ومناطق بحرية إضافية”، للاتفاقية المبرمة في أغسطس 2015 بين موسكو ودمشق والمتعلقة بنشر مجموعة من سلاح الجو الروسي في سوريا.

    أما في ليبيا، فروسيا كانت من الدول التي كانت ترفض رفضا قاطعا تدخل الناتو في ليبيا، ثم بعد ذلك أظهرت دعما شكليا لحكومة الوفاق ولخطة السلام التي أعلنتها الأمم المتحدة، لكن موسكو سرعان ما بدأت تظهر بوضوح موقفها الحقيقي من الأزمة في ليبيا، بعزمها علي مساندة الجيش الوطني الليبي وقائده خليفة حفتر،فقامت روسيا بالإعتراض على قرار الأمم المتحدة الصادر في مارس/آذار 2019 والذي يدعو حفتر الى وقف هجومه على طرابلس، وبعدها بثلاثة أيام زار حفتر موسكو.

    سلت موسكو بعضا من خبراء مجموعة فاغنر الخاصة، وشركة أخري تابعة للكرملين وهي تدعي RSB و قامت هذه العناصر بمهمة تدريب وتسليح لقوات الجيش الوطني الليبي، وسبق وأن التقي حفتر

    بالرئيس الإسمي لمجموعة فاغنر،يفغيني بريغوزين عام 2018.

    ومما سبق، تتضح نقطة بارزة تشكل احد أهم الركائز التي تعتمد عليها موسكو، فيما يتعلق باستخدام القوة العسكرية في المنطقة، فهي تعتمد بشكل واضح علي كونها مصدر كبير للسلاح، بحيث تحتل المرتبة الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة، رغم ذلك يمثل سوق السلاح عاملا مهما للإقتصاد الروسي، وتزيد أهميته بكثير للروس عن أمريكا، وذلك بأن الإقتصاد الروسي يعد صغيرا بالنسبة للإقتصاد الأمريكي والذي يساوي عشرة أضعاف الإقتصاد الروسي.

    ايضا موسكو، تعتمد علي تعاملاتها مع الأنظمة التي تقوم علي حكم النخبة، وليس أنظمة المؤسسات والتي لا تتواجد بالمنطقة، هذا علي عكس الولايات المتحدة، وايران ايضا التي تعتمد علي وكلائها في المنطقة ويتواجدون بصفة شبه حكومية في بلدانهم.

    3-الولايات المتحدة:

    التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، بلا شك هو الأكبر والأوسع نطاقا، فالقواعد العسكرية الأمريكية، منتشرة بشكل كثيف في المنطقة، وبالتحديد في دول الخليج العربي، وهي ذاتها القواعد التي انطلقت منها القوات الأمريكية لغزو العراق عام 2003، وما يعد دليلا قاطعا علي إهتمام واشنطن بمنطقة الشرق الأوسط، أن نذكر أن أكبر قاعدة جوية خارج الولايات المتحدة بالعالم، تتواجد في منطقة الخليج، وبالتحديد قاعدة العديد في قطر، وتعتبر مقر القيادة الوسطي الأمريكية، فضلا عن القواعد العسكرية في العراق والكويت وسوريا والبحرين، والبعثات العسكرية الأمريكية في السعودية والأردن.

    إضافة الي ذلك، تعتمد الولايات المتحدة علي شركائها في المنطقة، وبالأخص دول الخليج العربي، والتي تستغل واشنطن الذعر الهائل لدي هذه الدول من التصدير الإيراني المستمر لأفكار الثورة الإسلامية، فناهيك عن القواعد العسكرية الأمريكية والبعثات العسكرية التي تضم جنرالات ومستشاريين أمريكيين، والتي تتواجد في أغلب دول المنطقة، إلا أن واشنطن تستغل هذا الذعر ايضا، من أجل الترويج وبيع السلاح الأمريكي لهذه الدول بمبالغ باهظة، فمن 2008 حتى 2011 ، ربحت الولايات المتحدة 45 مليار دولار من عمليات نقل الأسلحة وحدها للسعودية، تلاها مبلغ 17 مليار دولار إضافية من 2011 إلى 2015 ، إضافة الي ذلك، وقعت السعودية مع واشنطن، خلال شهر مايو من العام 2017، صفقة ضخمة لشراء السلاح تقدر قيمتها ب110 مليار دولار، تتضمن مذكرات نوايا بمبيعات محتملة لأسلحة بقيمة 84.8مليار دولار.

    لكن في الفترة الأخيرة، بدأت الضغوط  الشعبية تتزايد علي الإدارة الأمريكية، من أجل سحب القوات الأمريكية المتواجدة بالمنطقة، وهو ما وعد بتنفيذه الرئيس ترامب، خلال حملته الإنتخابية، وبالفعل بدأت أمريكا تنفذ هذه الخطة بالتدريج، ولو بصورة بطيئة نسبيا، ففي العراق سلمت واشنطن للجيش العراقي قاعدة التاجي شمال بغداد في شهر آب/أغسطس الماضي، اضافة الي قاعدتي القائم والقيارة مطلع العام الحالي، ويري البعض أن هذه العمليات تعتبر مناورات أمريكية لرفع الضغط الشعبي من عليها، وفرصة لإعادة الإنتشار من جديد في العراق، بمناطق أكثر امنا وتكون بمنأي عن صواريخ الفصائل العراقية الموالية لإيران وبالتحديد في المناطق القريبة من العاصمة بغداد.

    في سوريا، تعهد ترامب في وقت سابق، بسحب كامل للقوات الأمريكية المتواجدة هناك، وبالتحديد في الشمال السوري، وتزامن ذلك مع إعلان أنقرة لبدء حملتها العسكرية هناك، وهو ما أحدث ضجة كبيرة في الأوساط السياسية الأمريكية، إلي أن تراجع عن قراره مجددا في أواخر عام 2019 وقرر عدم الإنسحاب الكامل ، وذلك حتي لا تترك الولايات المتحدة الساحة السورية للسيطرة الروسية الكاملة، وحتي لا تخسر حلفاؤها في سوريا وهم الأكراد وتنظيمهم المسلح الذي يعرف بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إضافة لعامل مهم آخر وهو أن المواقع التي تتركز فيها القوات الأمريكية قريبة من آبار النفط والغاز، وهو ما تخشي واشنطن من سيطرة النظام وحليفه الروسي عليه.

    4-تركيا:

    تعد تركيا حاليا أحد الأضلاع البارزة في خريطة القوي بالشرق الأوسط، فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة منذ عام 2002، والطموح يتزايد يوما بعد يوم من أجل وضع تركيا مجددا كقوة إقليمية فعالة في المنطقة، وهو ما بدأ يتحقق بصورة كبيرة، خصوصا بعد أن بدأ الوضع يستتب شيئا فشيئا للرئيس أردوغان، والذي استطاع أن يبسط نفوذه علي كامل أروقة السلطة في البلاد.

    التدخل التركي في بداية الأحداث عام 2011، لم يأخذ شكل التدخل العسكري الصريح، ولكن اكتفي بالدعم المادي واللوجيستي والتدريب العسكري، لجماعات المعارضة المسلحة وبعض الجماعات الإرهابية في سوريا ومنها تنظيم داعش، وركزت تلك الإتهامات علي صهر الرئيس أردوغان ورجل الأعمال الشهير بيرات البيرق، والذي وجهت له دعوات لمحاكمته في الولايات المتحدة بخصوص صفقات النفط المشبوهة مع تنظيم داعش، وكان ذلك بالتعاون مع الثنائي الخليجي السعودية وقطر في بادئ الأمر، فالجميع كان يعتقد أن سقوط نظام الأسد هو مسألة وقت فقط، ولكن مع التدخل الروسي في سوريا، تغير الموقف التركي بشكل جذري، فبعد التحالف مع السعودية، اتجهت أنقرة للتفاهم مع الثنائي الأقوي علي الساحة وهما روسيا وإيران، وانتهزت فرصة ضعف النظام في دمشق، وبدأت بالتدخل العسكري في الشمال السوري، بحجة حماية حدودها من ما تطلق عليهم الجماعات الإرهابية الكردية وكان ذلك في 24 أغسطس 2016 وما أطلقت أنقرة عليها عملية “درع الفرات”، وتم ذلك علي حساب الموافقة علي السياسات الروسية في سوريا، وما تبعها من تفاهمات بشأن تحديد مناطق آمنة في شمال شرق سوريا في مايو 2017.

    في ليبيا، قام أردوغان باستعمال استراتيجية مغايرة للإستراتيجية السابقة في سوريا، فليبيا تختلف عن سوريا، حيث لا تقع ضمن النطاق الجغرافي المجاور لتركيا، مما يصعب من عملية التدخل العسكري المباشر، والذي يتمثل في نقل الأفراد والأليات العسكرية، فقررت أنقرة الدخول فيما يعرف بالحرب بالوكالة، من خلال دعم حليفها في ليبيا (حكومة الوفاق الوطني)، وقدمت تركيا المساعدات المالية والعسكرية لها، وقامت أنقرة ايضا بارسال مرتزقة سوريين، للقتال مع حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، لأسباب عديدة، منها الضغط علي الإتحاد الأوروبي من جهة وثلاثي المتوسط (مصر واليونان وقبرص) من جهة أخري فيما يخص أزمة ترسيم الحدود البحرية، إضافة لمطامع اقتصادية تتمثل في السيطرة علي ابار وحقول البترول والغاز الطبيعي في ليبيا، وهي ما قامت أنقرة ببدء تنفيذه من خلال الإتفاق مع حكومة الوفاق علي حق أنقرة في التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية الليبية.

    خاتمة

    تشهد المنطقة في الوقت الحالي، حالة من الإستقطاب الدولي للقوي الإقليمية في المنطقة في شكل قسمين رئيسيين وهما: 1- التحالف الأمريكي مع دول الخليج العربي وعلي رأسهم السعودية، ويقوم هذا التحالف علي ركيزة أساسية وهي الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.                                                    2- تحالف ثلاثي يضم روسيا وايران وتركيا، رغم التناقضات المتباينة بين الأطراف الثلاثة، إلا أن النفوذ الروسي الكبير في سوريا، أجبر إيران وتركيا علي فتح خطوط اتصال مع موسكو، بالررغم من كون الأخيرة عضو في حلف معادي لموسكو وهو حلف شمال الأطلسي (الناتو).

    تقوم أدوار القوي الإقليمية في الشرق الأوسط، وبالتحديد إيران وتركيا علي مدي فعالية تحرك وكلائها واذرعها في المنطقة، وينطبق ذلك علي ايران بصورة أكبر، حيث يلعب وكلائها دورا كبيرا في صناعة القرار السياسي في عدة دول علي رأسهم العراق ولبنان واليمن، أما تركيا فتعتمد إعتمادا كبيرا علي الدعم المالي والعسكري لذراعها في ليبيا (حكومة الوفاق) لتحقيق مصالح جيوسياسية.

    الأزمات الإقليمية الحالية وبالتحديد في الأزمة السورية والليبية، ستمثل مسرحا لإعادة تشكيل شرق أوسط جديد، وستحدد مخرجاتها مستقبل ترتيب القوي الفاعلة في المنطقة، وستؤثر ايضا علي حالة التوازن الإقليمي، فروسيا تعد الفاعل الأكبر في سوريا، وتطمح من خلال تواجدها العسكري، للعودة من جديد للشرق الأوسط لإستعادة نفوذها ومكانتها كفاعل دولي، أما في ليبيا، فتركيا تعد فاعل رئيسي في الصراع الليبي حاليا، وتطمح لجعل ليبيا عمق استراتيجي جديد لها، من أجل تضييق الخناق علي مصر، واستعمال الورقة الليبية للضغط علي الأوروبيين، وتعزيز تواجدها في سوريا والعراق.

    تزايد الدور العسكري الذي تلعبه جماعات مسلحة تعد بمثابة فاعلين دوليين من غير الدول، علي سبيل المثال: تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، حزب الله اللبناني، وجماعة الحوثي في اليمن، وترجع أهميتها لطبيعة الأعمال التي تقوم بها هذه الجماعات، والتي تهدف لزعزعة أمن وإستقرار دول المنطقة،وايضا بفعل العلاقات التي تربط بعض هذه التنظيمات بدول معينة، تقدم لها الدعم المالي والمعنوي وتزودها بالسلاح.

    علي الرغم أن، التواجد العسكري الأمريكي حتي هذه اللحظة في الشرق الأوسط، يعد الأوسع والأكبر في المنطقة، مع احتفاظها بتأثير سياسي كبير علي معظم الدول بها، إلا أن الدور الأمريكي الحالي تراجع كثيرا عن ما كان عليه الحال بعد سقوط الإتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي، فعادت روسيا من جديد لتلعب دور جديد في المنطقة، إضافة الي بزوغ نجم قوي إقليمية كإيران وتركيا، تتصرف خارج عباءة النظام العالمي ذو القطب الأحادي، الذي كانت تمثله واشنطن، وحاليا يبدو أنها بدأ بالتلاشي بصورة كبيرة.

    شاركها.