بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات…

    اسلام عبد المجيد عيد

    منذ إندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979،وبعد مرور أكثر من 40 عاما علي الثورة،كان ولازال الحرس الثوري الإيراني أحد أهم المؤسسات التي جاءت بها التغيرات الجذرية للثورة،وعلي مدار السنوات ظل الحرس الثوري بمثابة خط الدفاع الأول عن مبادئ الثورة ونظام ولاية الفقيه،فوجود الحرس الثوري أعطي انطباعا مغايرا للثورة،فهي حتي الآن لا تزال في وضعية متجددة،لم يؤثر عليها البعد الزمني،وبلا شك كان تصدير الثورة الإسلامية أهم أولوياته،فرغم العقبات التي واجهت النظام الإيراني الجديد في سنواته الأولي،والتي تمثلت بداية من عملية إحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في السفارة الأمريكية بطهران عام 1979،وما تبعها من قطع الولايات المتحدة لعلاقاتها الدبلوماسية مع طهران،ثم الحرب العراقية الإيرانية والتي استمرت ثمانية أعوام،عاني فيها الطرفان الأمرين وتكبدا خسائر فادحة.

    سلام عبد المجيد عيد
    اسلام عبد المجيد عيد

    رغم ذلك،كانت هذه الأحداث عاملا مهما جدا في تكوين عقيدة الحرس الثوري الإيراني ومبادئه فيما بعد،وساعدت علي إكتساب الخبرات العسكرية والميدانية لهذا الجهاز العسكري الوليد،بعد حل الجيش الإيراني السابق بتشكيلاته المختلفة.

    بعدها ، بدأ الدورالإقليمي المحوري لإيران يتشكل رويدا رويدا،ابتداءا من ثمانينات القرن الماضي ودعمها لحزب الله في لبنان،في أعقاب اجتياح بيروت،اضافة لايواءها لمعارضي نظام صدام حسين من الجماعات الدينية الشيعية في العراق،كل هذا وأكثر كان باشراف جهاز الحرس الثوري الإيراني وقياداته.

    إلا أن جاءت اللحظة الفارقة والتي كانت عاملا حاسما في إبراز الدور الإقليمي الكبير لطهران في المنطقة،مع سقوط نظام صدام حسين عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003،وهو ما أهدي ايران فرصة ذهبية بالتوغل في العمق الإقليمي العربي من خلال البوابة الشرقية في بغداد،مرورا بدمشق وبيروت وصولا إلي صنعاء في الفترة الأخيرة، وهو ما قامت علي تنفيذه قيادات الحرس الثوري من أجل حماية الثورة باستخدام ما يعرف بنظرية “الدفاع المتقدم” عن طريق ابعاد اي مشاكل أو نزاعات الي حدود الدول الأخري،والإبتعاد به عن المجال الإيراني،فتبرر بذلك تدخلها في محيطها الإقليمي.

    وتتولي قيادة الحرس الثوري حاليا،دورا حساسا للغاية،من خلال الإشراف علي أذرعة ايران المسلحة في المنطقة العربية،كحزب الله في لبنان،وحركة حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة،اضافة الي الحوثيين في اليمن،ومن خلال التوجيه الإيراني لهذه الجماعات تتمكن من ضمان التأثير الإقليمي الفعال لها في المنطقة،كما أنها تستخدمه كورقة ضغط كبيرة علي المفاوض الأمريكي في ما يخص برنامج طهران النووي من حين لآخر.

    أهمية الدراسة:

    تكمن أهمية الدراسة في طرح شرح موضوعي،يتناول الدور المتزايد للحرس الثوري الإيراني،وبروزه كأحد العوامل الهامة في ظهور ايران كقوة اقليمية علي الساحة،كما تحاول الدراسة أن تسلط الدراسة علي أمثلة حية لهذا الدور من خلال النماذج الثلاثة في (العراق-سوريا-اليمن).

    تساؤلات الدراسة:

    1-كيف نشأ الحرس الثوري الإيراني؟

    2-ما دور الحرس الثوري الإيراني في تكوين قوة ايران الإقليمية؟

    3-ما هو الموقف الدستوري من الحرس الثوري؟

    4-ما الدور الذي يلعبه الحرس الثوري في كلا من (العراق-سوريا-اليمن)

    منهجية الدراسة:

    تعتمد هذه الدراسة علي المنهج التاريخي لتوضيح نشأة الحرس الثوري الإيراني والأحداث التي تزامنت مع نشأته،المنهج التحليلي لمحاولة التوصل لحجم الدور الذي تلعبه ايران في المنطقة،المنهج المقارن للمقارنة بين دور الحرس الثوري في كل من العراق وسوريا واليمن.

    المبحث الأول:البعد التاريخي للحرس الثوري الإيراني

    المطلب الأول:أحداث الثورة الإسلامية 1979

    بكل تأكيد،سيكون من الصعب التوصل لجذور الثورة وتفاصيلها الدقيقة،الا أن السخط الشعبي علي نظام الشاه أخذ منحنا تصاعديا منذ الإطاحة بوزارة مصدق في خمسينيات القرن الماضي،بعد قراراته الشجاعة بإصدار الضمانات الإجتماعية وقرارات الاصلاح الزراعي،وصولا الي الخطوة التي تسببت في ابعاده عن المنصب والمتعلقة بتأميم النفط الإيراني،من هنا بدأت القوي الثورية بشتي اطيافها تظهر علي الساحة السياسية في البلاد وهو ما ازداد بعد اعتقال الخميني عام 1963 والتظاهرات المنددة باعتقاله من قبل طلاب الحوزات الدينية بالبلاد والتي سقط علي اثرها ايضا عدد كبير من الضحايا،إلا أن البداية الحقيقية للثورة كانت من مدينة قم (ذات المكانة الدينية عند الشيعة) والتي كانت عبارة عن احتجاجات لطلاب الحوزات الدينية مع الشرطة إحتجاجا علي مقالة بعنوان (ايران والإستعمار الأحمر والأسود) والتي نشرت في صحيفة إطلاعات اليومية في السابع من يناير/كانون الثاني عام 1978،ليظهر هنا مدي تأثير الخميني وأتباعه رغم تواجده انذاك بالمنفي،مرورا بالإشتباكات الدموية بين المتظاهرين وجهاز مخابرات الشاه (السافاك) في أوائل عام 1978،حتي تصاعدت الأحداث في يوم 8/9/1978

    أو ما أطلق عليه يوم الجمعة الأسود،بسبب سقوط العديد من الضحايا برصاص الجيش أمام مبني البرلمان الإيراني،وهنا وجد الخميني الفرصة سانحة للإنقضاض علي الثورة وقيادتها،خاصة بعد خروج الشاه من البلاد متجها الي أسوان بمصر في 16/1/1979 ،فتشكل مجلس وصاية علي العرش بقيادة جلال الدين طهراني،فأعلن الخميني من باريس أن مجلس الوصاية والحكومة قد افتقدا للشرعية اللازمة،وانه عائد للبلاد

    من جديد لتخليصها من الظلم والفساد،وبالفعل عاد الخميني في الأول من فبراير/شباط عام 1979،وخرج لاستقباله حينها ما يقارب الثلاثة ملايين شخص في شوارع طهران،حتي انهار الحكم الملكي تماما بعدها بعشرة أيام وبالتحديد في الحادي عشر من فبراير/شباط 1979 وهو ما أطلق عليه نظام الثورة فيما بعد بعشرة الفجر.

    المطلب الثاني: نشأة الحرس الثوري الإيراني

    تم تشكيل الحرس الثوري أو الباسدران في 5مايو/آيار 1979،بعد اسقاط نظام الشاه،حيث كان النظام الوليد بحاجة لقوة عسكرية جديدة تحاول أن تضم عددا من القوات شبه العسكرية (ميليشيات) وتوحيدها في قوة واحدة لحماية النظام الجديد،والإستغناء عن خدمات الجيش النظامي السابق في عهد الشاه لضمان ولاء القوة العسكرية بالدولة لولاية الفقيه.

    فلقد صدر مرسوم عن الخميني يوصي بضرورة انشاء الحرس الثوري تكون مهمته حماية الثورة وذلك من خلال حماية استقلال البلاد والمحافظة علي أمنها الإقليمي،ومساعدة رجال الدين في مهمتهم من أجل إنشاء حكومة جديدة للبلاد،ضم الحرس ايضا الاف من الشباب المتطوعين ينتظمون في قوة تعرف باسم (الباسيج)، وتتمتع هذه القوات بهيكلية مستقلة عن الجيش النظامي، وتمتلك وحدات برية وجوية وبحرية وقوة جوفضائية، ولها تركيبتها الأمنية الخاصة بها من استخبارات وجهاز استطلاع والتي تأسست في عهد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، والذي قام ايضا بتعيين العشرات من قادة الحرس الثوري في مناصب قيادية بمؤسسات الدولة المختلفة حتي يحكموا قبضتهم علي مفاصل الدولة،لم يكتف نجاد بذلك فقط بل قام باحالة عدد كبيرمن العقود الحكومية والتي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات لحساب الحرس الثوري وهو ما يعكس مدي التأثير الحالي للحرس الثوري علي الإقتصاد الإيراني، ويعتبر الحرس الثوري فريد من نوعه بسبب سيطرته علي الصواريخ الإستراتيجية والقوة الصاروخية الإيرانية.

    يضم الحرس الثوري،أحد أهم عوامل قوة ونفوذ ايران الإقليمي،وهو ما يعرف “بفيلق القدس” ،حيث ينشط بكثافة خارج الحدود الإيرانية،واحد الركائز الأساسية في عمليات التمويل لأذرع ايران في المنطقة وتدريبهم علي فنون القتال المختلفة.

    ويبلغ عدد أفراد قوات الحرس وفق تقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن بعدد 350 ألف فرد، في حين يرى معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بأن عدد أفراده لا يتجاوز 120 ألف فرد

    بلا شك كان هناك دور كبير للحرس الثوري الإيراني،في اضفاء شرعية علي النظام،واكسابه الطابع الشعبوي التي كانت دافعا من أجل قيام مؤسسات النظام فيما بعد بواجباتها، حيث كان وجوده بمثابة الحافز من أجل بناء دولة قادرة علي نشر أفكارها الي الجوار،بل والسيطرة علي صناعة القرار في بعض هذه الدول.

    المبحث الثاني:أبعاد الدور الإقليمي للحرس الثوري الإيراني

    منذ نشأة الحرس الثوري كأحد الركائز الأساسية في القوات المسلحة الإيرانية،وكان واضحا من البداية البعد الإقليمي له،خاصة أنه حمل علي عاتقه مسئولية تصدير الثورة،ولكي نصل الي النقاط التي ارتكزت عليها سياسة ايران الإقليمية ودور الحرس الثوري،لابد أن نقف لاستخلاص نقطتين هامتين،يمكن اعتبارهما كمحددات للسياسة الخارجية الإيرانية خاصة في التعامل مع عمقها الإقليمي وعنصرين اساسيين في تشكيل العقيدة السياسية والإعلامية الإيرانية وهما:

    1-إستخدام ايران للبعد المذهبي،الذي يتمثل في الدعاية لولاية الفقيه لحشد أبناء المذهب الشيعي في المنطقة،وليسهل علي طهران تجنيد أتباعها وقواها الناعمة في تلك الدول لخدمة المصالح الإيرانية .

    2-تتبني ايران ما يعرف بمحور المقاومة الإسلامية ضد إسرائيل وحليفها الأكبر الولايات المتحدة،وهو ما تستغله ايران اعلاميا تجاه المنطقة العربية،لكسب التعاطف الشعبي خاصة مع القيمة الكبيرة التي تحملها القضية الفلسطينية بالنسبة للعرب.

     المطلب الأول:دور الحرس الثوري الإيراني في العراق

    تعود بدايات العلاقة ما بين الحرس الثوري الإيراني وأذرعها الحالية في العراق الي الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي،حيث كانت ايران تأوي معارضي النظام السابق وخاصة من الجماعات الإسلامية الشيعية وعلي رأسها حزب الدعوة الإسلامية وفيلق بدر،وحاربت هذه العناصر في تلك الفترة لصالح ايران ضد الجيش العراقي في الحرب التي أمتدت علي مدي ثمانية أعوام.

    استطاعت ايران في تلك الفترة توثيق الروابط والعلاقات بينها وبين هذه العناصر،واستخدامهم لخدمة المصالح الإيرانية بل وتجنيدهم في الحرس الثوري الإيراني لولائهم الكامل لنظام الجمهورية الإسلامية في ايران، ولرغبتهم في تصدير الثورة لبلدهم الأم العراق والإطاحة بنظام صدام حسين العلماني،واستمر الحال بمساندة الحرس الثوري لعناصر حزب الدعوة فيما يعرف بالإنتفاضة الشعبانية عام 1991 وبالتحديد بعد عودة الجيش العراقي من الكويت في أعقاب حرب الخليج الثانية،ووبالفعل قامت هذه العناصر بالتمرد علي السلطة العراقية خاصة في بعض المحافظات الجنوبية وبالتحديد في النجف وكربلاء حيث الحوزات الدينية الشيعية في العراق،لكن سرعان ما تم إخماد الإنتفاضة من قبل النظام حينها.

    لكن كانت اللحظة الفارقة والأهم،هي الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والإطاحة بنظام صدام حسين،ومع ذلك لم تجد الولايات المتحدة الفصائل والعناصر التي من الممكن أن تضمن لها السيطرة علي صناعة القرار في العراق،علي النقيض تماما كان الوضع مهيئا لايران وأعوانها في العراق والعناصر التي عادت بعد الغزو الي العراق بعد سنوات من الإقامة في ايران،اكتسبت فيها هذه العناصر الخبرة والتجارب اللازمتين للعودة للعراق لتنفيذ الأجندة الإيرانية،حيث كان الغزو الأمريكي بمثابة الفرصة الذهبية لطهران من أجل بروز الدور الإيراني كلاعب رئيسي في المنطقة،ولعل الإستفادة الإيرانية كانت أكبر بالغزو الأمريكي للعراق من الولايات المتحدة ذاتها،بل زاد الغزو الأمريكي من متاعب الولايات المتحدة حيث قامت ايران بدعم فصائل مسلحة من أجل مقاومة المحتل الأمريكي.

    ومن أبرز التنظيمات العراقية المسلحة المرتبطة بإيران التي تأسست في مرحلة ما بعد 2003، تنظيم “كتائب حزب الله العراقي”، الذي قدم الحرس الثوري له كافة أشكال الدعم؛ من التمويل والتسليح والتدريب، وترأّس التنظيم منذ تأسيسه وحتى اغتيال العضو في الحرس الثوري “أبو مهدي المهندس”، مطلع العام الحالي.

    وعام 2006؛ تأسست منظمة “عصائب أهل الحق”، بقيادة قيس الخزعلي، بعد انشقاقه من جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، إثر معركة جيش المهدي ضد القوات الأمريكية، عام 2004، وتتلقى العصائب التدريب والسلاح من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

    وإثر تمدد تنظيم داعش، واحتلاله ثلث مساحة العراق، عام 2014، بدأت تكتسب هذه التنظيمات صفة رسميّة مع تشكيل قوات “الحشد الشعبي” لمواجهة التنظيم الإرهابي، وتألفت هذه القوّات من سبعة وستين فصيلاً، وجاء تشكيلها بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها السيستاني، المرجع الأعلى في النجف، وفي عام 2016؛ اكتسبت هذه القوات الصفة الرسمية مع إقرار البرلمان العراقي قانون هيئة الحشد الشعبي، في خطوة رأى البعض حينها أنها جاءت بدفع وضغط من إيران وحلفائها في العراق، وهكذا، كما في إيران، بات هناك في العراق قوات عسكرية شبه نظامية، تكتسب نفوذا وقوة تزاحم القوة الرسمية للدولة الممثلة بمؤسسة الجيش.

    استطاع الحرس الثوري الإيراني في الفترة ما بعد 2003 في العراق وبقيادة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري والذي قتل مطلع العام الحالي مع ابو المهدي المهندس في غارة أمريكية استهدفتهما قرب مطار بغداد،تمكن سليماني من خلق وتطوير شبكة واسعة من العلاقات مع الشخصيات والأحزاب السياسية في رأس السلطة العراقية بمختلف اطيافهم من الشيعة والسنة والأكراد،بل كان ايضا له دور بارز في التنسيق ما بين الكتل السياسية الشيعية والسنية المتواجدة في الحكومة العراقية بصورة مباشرة أو غير مباشرة،وقد ظهر ذلك جلياً في خلال حضور رئيس البرلمان العراقي السابق أسامة النجيفي والذي ينتمي للمكون السني مجلس عزاء والدة قاسم سليماني في طهران،ناهيك عن العلاقات التي قامت مع ساسة

    سنة آخرين،ويعكس ذلك مدي الدور الذي كان يلعبه قاسم سليماني والحرس الثوري بشكل عام في صنع القرار السياسي في العراق.

    المطلب الثاني:دور الحرس الثوري الإيراني في اليمن

    في اليمن كان الوضع مهيئا تماما،لمد النفوذ الإيراني هناك من خلال الحرس الثوري الإيراني لعدة عوامل اهمها:

    1-ضعف السلطة المركزية وهشاشة المؤسسات في اليمن علي مدي عقود طويلة،إلا أن تنحي الرئيس علي عبد الله صالح أدي لإنهيار تام في دعائم نظام الحكم في البلاد.

    2-سيطرة النزعة العشائرية والعامل القبلي في اليمن علي حساب مصالح البلاد الوطنية.

    3-النزاعات والإنقسامات الطائفية الكبيرة في البلاد،وبالتحديد مع وجود طائفة شيعية تسمي بالزيدية وهو ما سهل من عملية الترابط مع نظام ولاية الفقيه في طهران ،رغم أن هذه الطائفة لا تنتمي للإثني عشرية الموجودة في إيران.

    بداية من الثمانينيات؛ اولت السفارة الإيرانية في صنعاء اهتماما كبيرا بتقديم دعوات للشباب اليمني لزيارة إيران للإطلاع المباشرعلى تجربة الثورة الإسلامية الإيرانية، واجتذبت بالأخص شباب المكون الزيدي، حيث كان من بين هؤلاء الشباب، اسما برز بعد ذلك هو حسين بدر الدين الحوثي، حيث قام رفقة مجموعة من العائدين من ايران، امثال محمد عزان وعبد الكريم جدبان، بتأسيس ما عرف بتنظيم “الشباب المؤمن”،  في عام 1992، وكان معقله في محافظة صعدة بالشمال اليمني، والذي تطور فيما بعد وأصبح يعرف باسم جماعة “الحوثيين” نسبة لمؤسسها حسين بدر الدين الحوثي.

    مع مرحلة التأسيس، برز مدى التأثر الكبير لحسين الحوثي، في خطبه وكتاباته بنموذج الثورة الإسلامية ومبادئها، وبقائدها الإمام الخميني، فبدأت تتزايد حدة الصراع الداخلي في اليمن، وتزايدت مؤشرات المواجهة المحتملة مع الحكومة في صنعاء،ولعل ذلك كان جليا مع رفع الحوثيين علنيا الشعار الذي تتبناه ايران ولازال حاضرا مع الحركة حتي الآن وهو”الموت لأمريكا والموت لإسرائيل”، وكان ذلك بالتحديد بعد عام 2001، في مرحلة كان نظام الرئيس علي عبد الله صالح قد اختار المسار الذي انتهجه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة للحرب على الإرهاب، ولم يظهر النظام حينها أية معارضة تذكر للمواقف الأمريكية، وتحديدا مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فجاء رفع الشعار من قبل الحوثيين في اطار

    المواجهة المتصاعدة مع صنعاء، والتي تستند في جذورها إلى حالة من التهميش والإقصاء لمحافظة صعدة الشمالية.

    و بحلول عام 2004، بدأت المواجهات المسلحة بين جماعة الحوثي والحكومة اليمنية، فيما عرف بـ “الحروب الست” والتي شهدت في حربها الأول مقتل حسين بدر الدين الحوثي مؤسس التنظيم وتولي قيادة الحركة بعد ذلك ابنه الأصغر عبد الملك الحوثي، ولقد استمرت الحرب حتى عام 2010، ومنذ الحرب الرابعة، عام 2007، بدأت تظهر تأثيرات حزب الله اللبناني على أساليب قتال الحوثيين، وكذلك على الهرم التنظيمي للجماعة.
    ومع دخول منعطف ثورة الشباب اليمنية، عام 2011 تغيرت استراتيجية الحركة تماما فبعد أن كانت تعتمد علي المناوشات وعمليات الكر والفر في صراعها مع الحكومة،  اختارت الجماعة الانقلاب على مسار الحوار الوطني، وبدأت بالتوغل عسكريا في المحافظات اليمنية الأخري بعد أن كانت معزولة في صعدة فقط، حتي وصلوا بعد ذلك لدخول العاصمة صنعاء في أيلول (سبتمبر) عام 2014.

    تتوافر بعض الدلائل عن توافر الدعم الإيراني لجماعة الحوثي، فبخصوص التدريب وتقديم الاستشارات، نجد أن رئيس الأركان الإيراني محمد باقري كان قد صرح في أكثر من مناسبة سابقة، منها ما ورد في كلمته في أحد المراكز التعليمية التابعة لقوات الحرس الثوري، حيث قال بأن : “اليمنيون اليوم تمكنوا من إسقاط العديد من الطائرات الحديثة، وهذا بالطبع لأن علوم الثورة الإسلامية ودعمنا المعنوي كان وراءهم”، وكذلك تصريحاته في مقابلة لمحطة “فونيكس” الصينية، التي أقر فيها بوجود دور للحرس الثوري واصفا اياه بأنه المسئول عن الشأن اليمني،اضافة لدور حزب الله اللبناني  في عمليات التنظيم والتدريب للحوثيين.
    على مستوى التسليح، تكرر حديث حكومة عبد ربه منصور هادي عن إيقاف زوارق وسفن متجهة إلى اليمن تحمل أسلحة قادمة من إيران، كانت علي رأسها سفينة جيهان، التي تمت السيطرة عليها، في كانون الثاني /يناير عام 2013، عندما كانت في طريقها إلى ميناء ميدي، الواقع حينها تحت سيطرة الحوثيين.

    المطلب الثالث:دور الحرس الثوري الإيراني في سوريا

    تعود بداية العلاقات بين سوريا ونظام ولاية الفقيه في إيران الي مطلع ثمانينات القرن الماضي،وخاصة مع الخلاف الذي كان قائما بين بعثي سوريا والعراق،والذي تزامن مع الحرب العراقية الإيرانية،وهو ما أدي لتوتر في العلاقات ما بين دمشق وباقي الدول العربية في تلك الفترة،رغم التناقض الإيديولوجي الذي كان بين الدولتين فنظام البعث السوري نظام علماني قومي،أما النظام الإيراني فهو نظام ديني اصولي،لكن

    جمعهما الخلاف مع صدام حسين في الثمانينات،اضافة لكونهما ضمن المحور المعادي للولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل في المنطقة.

    وبعد وفاة الرئيس حافظ الأسد حافظت طهران علي علاقاتها الوثيقة مع القيادة الجديدة برئاسة ابنه بشار الأسد،وكانت ايران مدركة جيدا لمدي أهمية الحفاظ علي تواجد نظام الأسد ودوره في تقوية النفوذ الإيراني في المنطقة،علي حساب الجماعات السنية المسلحة التي كانت تدعمها السعودية وقطر مع بداية الأزمة السورية في عام 2011.

    بدأت ايران بالتدخل عقب بداية الأزمة السورية،وبالتحديد في بدايات عام 2012 ،حيث استندت ايران ايضا في تدخلها الي اتفاقية الدفاع المشترك مع سوريا والتي تم توقيعها عام 2006، من خلال إرسال مئات المستشارين العسكريين من الحرس الثوري، للمشاركة في تقديم الاستشارات ووضع الخطط العسكرية، اضافة الي الإشراف على العديد من الميلشيات الشيعية الموالية لها سواءا بالتسليح أو التدريب الميداني. وتشير الإحصائيات عن وجود ما يقارب  الألفين مستشارا وما يزيد عن التسعة آلاف مقاتل في فصيلي فاطميون المكون من شيعة أفغان، وزينبيون المكون من شيعة باكستانيين، بالإضافة الي7 آلاف مقاتل من  عناصرحزب الله اللبناني، وأعداد غير معروفة من فصائل شيعية عراقية تنتمي إلى “الحشد الشعبي”، منها النجباء وحزب الله العراقي ولواء أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق.

    لكن تدخل ايران وأذرعها وحده هذه المرة لم يكن كافيا في البداية،فسوريا ليست كالعراق حيث يتواجد بها غالبية عظمي للعرب السنة وهم الناقمين علي نظام بشار الأسد،ولا تتواجد الطائفة العلوية الشيعية التي ينتمي اليها الرئيس بشار الا بنسبة 12%من إجمالي السكان،اضافة الي الدعم الأمريكي للمعارضة والدعم المالي الضخم من دول الخليج وعلي رأسها السعودية وقطر اضافة الي تركيا.

    الا أن التدخل الروسي في عام 2015 هو الذي كان كفيلا بقلب معادلة الصراع في سوريا لصالح نظام الأسد،بعد أن كان النظام علي شفا السقوط،لتضمن بذلك موسكو لطهران بقاء النظام وضمان بقاء ما يعتبره البعض بالهلال الشيعي والذي يضم العراق وسوريا كأنظمة موالية لإيران.

    لكن بقاء نظام الأسد لم يضمن لإيران شيئا أهم وهو ما ضمنته في العراق وفي اليمن نسبيا،وهو التحكم بصناعة القرار بشكل كامل،وذلك لطغيان الدور الروسي علي الساحة السورية كقطب دولي فاعل،يريد استعادة النفوذ في الشرق الأوسط لكونه الوريث الشرعي للإتحاد السوفييتي السابق،بالرغم من ذلك تمكنت ايران من الوجود كلاعب رئيسي في المفاوضات الخاصة بحل الأزمة السورية جنبا الي جنب مع موسكو وأنقرة سواءا في آستانا او سوتشي،وايضا اكتفت ايران بتواجد استشاري علي الأرض ممثلا بعناصر من

    فيلق القدس التابع للحرس الثوري،وهو ما يعرض عناصره للخطر الدائم من حين لآخر من جانب الضربات الصاروخية الإسرائيلية التي تستهدف مواقعهم باستمرار.

    ملاحظات ختامية:

    الحرس الثوري أكتسب الشرعية اللازمة والتي كفلتها له المادة الخامسة عشر من الدستور الإيراني،والتي نصت علي دوره كمؤسسة عسكرية تابعة للدولة وتحمل علي عاتقها حماية الثورة،وبمرور السنوات لم يكتف الحرس الثوري بكونه مؤسسة عسكرية فقط بل تدخل في الشؤون السياسية ايضا وهو ما بدا واضحا في عهد الرئيس محمد خاتمي من خلال سخطهم الدائم من الإتهامات التي طالت هذه المؤسسة،وتهديدهم المستمر له.

    في عهد الرئيس أحمدي نجاد،تنامي نفوذ الحرس الثوري ليشمل المجالين السياسي والإقتصادي،فلقد عينهم نجاد في مناصب قيادية بالدولة،وعهد اليهم بعقود استثمارية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات وهو ما تزامن مع الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها البلاد جراء العقوبات الإقتصادية المفروضة علي ايران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

    التوغل الإيراني في المنطقة كان قائما علي عنصرين أساسين:1-البعد الطائفي الديني لكونها أكبر القوي التي تتبني المذهب الشيعي في المنطقة،وهو ما تستخدمه لجذب العديد من أبناء المذهب في الوطن العربي لخدمة مصالح ايران،2-تبني ايران لما يعرف بمحور المقاومة ضد اسرائيل وحليفتها الكبري الولايات المتحدة.

    النفوذ الإيراني في العراق،لم يكن وليد اللحظة،بل تم الإعداد له علي مدار عقود سابقة فلقد احتضنت ايران عددا من عناصر الأحزاب الشيعية الحالية وضمتهم للحرس الثوري ابان الحرب العراقية الإيرانية،وهو ما سهل من عملية الولاء والإنتماء لولاية الفقيه في طهران،وحينما سنحت الفرصة بسقوط نظام صدام حسين عادت هذه العناصر للعراق،وسهل الدستور الذي أشرف عليه بول بريمر الحاكم العسكري للعراق بعد 2003 من عملية المحاصصة الطائفية والتي وضعت الأحزاب الشيعية الموالية لإيران في هرم السلطة في البلاد،ولم يقتصر نفوذ الحرس الثوري في العراق علي هذا فقط بل شكل علاقات وثيقة مع الأطياف الأخري في السلطة من السنة والأكراد.

    في اليمن،كان نموذج الدولة الهشة علي مدي عقود في اليمن عاملا رئيسيا في تنفيذ أجندات أجنبية عديدة في البلاد،ولكن فيما بعد ثورة الشباب اليمنية تحول هذا النموذج لنموذج الدولة الفاشلة،وهو ما جعل مهمة التغلغل الإيراني وتواجد الحرس الثوري هناك يسيرة،من خلال دعمها للطائفة الزيدية الشيعية هناك أو ما يطلق عليهم الحوثيون،والتي بدأت ايران في عمليات تجنيدهم منذ ثمانينات القرن الماضي.

    بالنسبة لسوريا،كانت الوضعية مختلفة تماما،فلم تحتاج ايران لسقوط أنظمة أو تغيير حكومات،فالعلاقة بين نظام البعث في سوريا منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد والجمهورية الإسلامية في ايران طالما كانت

    علاقات متينة،واستمرت كذلك مع وصول بشار الأسد الي سدة الحكم،ولعل الدليل الأبرز كانت اتفاقية الدفاع المشترك بين الطرفين في عام 2006،إلا أن كانت اللحظة الفارقة في مسار العلاقات بين الطرفين في أعقاب بداية الأزمة السورية والتدخل الإيراني الغير معلن في عام 2012،ثم تدخلها العلني في عام 2013 بواسطة الحرس الثوري والميليشيات الشيعية الأخري الموالية له من بلدان عدة علي رأسهم حزب الله اللبناني،اضافة الي ميليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية.

    إسلام عبد المجيد عيد أكاديمي وباحث سياسي ومختص بشئون الشرق الأوسط

    صور: Reuters

    شاركها.