بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات…

    بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات والاستثمارات.)

    Andrew-K.P.Leung_على الرغم من نقص واضح في التوافق بشأن النزاع بين روسيا وأوكرانيا، تمكنت قمة مجموعة العشرين (G20) (مجموعة العشرين: هي مُنتدى دولي يجمع الحكومات ومُحافظي البنوك المركزية من 20 دولة والاتحاد الأوروبي) الأخيرة التي استضافتها الهند من إصدار بيان ختامي تم التوصل إليه بالتوافق من قبل جميع الدول المشاركة، بما في ذلك روسيا والصين. يتضمن هذا البيان مبادرات مبتكرة تشمل قبول الاتحاد الأفريقي والموافقة على “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” لروابط السكك الحديدية والبحرية، وهي تحدي واضح لمبادرة الحزام والطريق الصينية. بالإضافة إلى غياب الرئيس شي جين بينغ، والذي أثار مجموعة من الخطب والتصريحات الإعلامية الملتوية والمبالغ فيها بشكل كبير.

    أولًا، لم تكن الصين سواء غير ممثلة أو غير مهتمة بقمة مجموعة العشرين. ولم يكن البيان المشترك ليصدر لولا مساهمة الصين الفعالة وموافقتها الصريحة. تمثل مجموعة العشرين أكثر من 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و75 في المئة من التجارة العالمية، و60 في المئة من سكان الكوكب، دون إضافة الاتحاد الأفريقي. كيف يمكن للصين، بوصفها أكبر منتج وتاجر في العالم، تجاهل مجموعة العشرين؟

    ثانيًا، غياب الرئيس شي لم يكن مقصودًا كإهانة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. كان هناك تواصل رائع وتضامن بين الزعيمين في قمة BRICS التي عُقدت في أغسطس في جوهانسبرغ. فكرة أن الغياب كان ” ازدراء” لا يعبر عن إلمام وتصرف غير ناضج.

    ثالثًا، تدعم الصين انضمام الصين إلى الاتحاد الأفريقي، حيث تتمتع الصين بعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة وشاملة مع القارة الأفريقية.

    رابعًا، لا يشكل خط السكك الحديدية البحرية بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا تحديًا مباشرًا لمبادرة الحزام والطريق ولا يحل محلها.

    ووفقًا للبنك الدولي، من المتوقع بحلول عام 2030 أن تولد مبادرة الحزام والطريق 1.6 تريليون دولار من الإيرادات العالمية كل عام. وتم التوقيع على أكثر من 3000 مشروع تعاون. وتم خلق حوالي 420 ألف فرصة عمل محلية، في حين تم انتشال حوالي 40 مليون شخص من الفقر.

    الديون الكثيرة، والآثار السلبية، وإلغاء المشاريع، وانسحاب بعض الأطراف هو جزء من مسار التعلم في تحقيق أكبر مشروع بنية تحتية عبر القارات في تاريخ البشرية. على أية حال، وفقًا لتقرير صادر في يوليو 2022 من منظمة “ديبت جاستيس Debt Justice”، وهي مؤسسة خيرية مقرها المملكة المتحدة، فإن الحكومات الأفريقية مدينة للمقرضين الغربيين بثلاثة أضعاف ما تدين به للصين.

    ضم مبادرة الحزام والطريق ستة ممرات اقتصادية واسعة النطاق مرتبطة بالسكك الحديدية والبحر عبر أوراسيا والهند الصينية. ويتضمن أيضًا طريق الحرير القطبي وطريق الحرير الرقمي مع كابلات الألياف الضوئية العابرة للحدود تحت البحر.

    وكلما زاد الارتباط اللوجستي بين العالم، كلما استفادت الصين، التي تعتبر إلى حد بعيد أكبر دولة تجارية وأكثرها انتشارا في العالم. ولن يتم استبدال مبادرة الحزام والطريق، وذلك بفضل اتساع نطاقها وانتشارها وارتباطاتها بالصين.

    خامسًا، من غير المرجح الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الذي أقره الرئيس الأمريكي جو بايدن ومبادرات الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII) إلى عرقلة مبادرة الحزام والطريق. وفقًا لتقرير من معهد جمعية آسيا للسياسات الحكومية صدر في 11 سبتمبر، يحتاج الأول إلى دعم حيوي. بينما تعتمد الثانية، التي تبلغ تكلفتها الحالية 30 مليار دولار، بشكل كبير على القطاع الخاص، الذي قد لا يجد مشاريع الحزام والطريق لبناء المدارس المحلية والمستشفيات والطرق والخدمات والتدريب التقني جاذبة من الناحية التجارية.

    سادسًا، اعتقاد أن للصين تأثيرًا ضئيلًا في الجنوب العالمي يتناقض مع ثقل الرئيس شي في قمة BRICS التي عُقدت في أغسطس، حيث تصطف العديد من الدول النامية للانضمام إلى المجموعة. وبالمثل، في قمة منظمة التعاون شنغهاي التي أقيمت في يوليو. يتجلى تأثير الصين في تواصلها التجاري العالمي واقتصادها الكبير، الذي يفوق حجم اقتصاد بقية دول BRICS مجتمعةً.

    سابعًا، فشلت مجموعة العشرين في الاعتراف بمساهمة الصين الرائدة في مجال الطاقة الخضراء في برنامج “أرض واحدة، أسرة واحدة، مستقبل واحد”.

    وفي عام 2022 وحده، استثمرت الصين 546 مليار دولار في الطاقة النظيفة، وهو ما يتجاوز بكثير 141 مليار دولار في الولايات المتحدة أو 180 مليار دولار في الاتحاد الأوروبي.

    يقول معهد مركز أبحاث الطاقة الشمسية والهيدروجين (ZSW) الألماني إن الصين تستعد لأن تصبح العاصمة العالمية للسيارات الكهربائية. ويوجد 53% من السيارات الكهربائية في العالم في الصين، وذلك بفضل الدعم الحكومي، والبنية التحتية التمكينية، والأسعار الجذابة.

    أضافت الصين المزيد من قدرات توليد الرياح في العامين الماضيين مقارنة بالسنوات السبعة السابقة، لتولد طاقة رياح أكثر بنسبة 46 في المئة في عام 2022 مقارنة بأوروبا بأكملها، ثاني أكبر سوق لتوليد طاقة الرياح.

    بالإضافة إلى ذلك، سجلت الصين ارتفاعًا قياسيًا في منشآت الطاقة الشمسية في عام 2022، وهو ما يمثل 42 في المئة من الإجمالي العالمي، مما يوسع ريادتها في إمدادات الطاقة المتجددة العالمية.

    وتقول لجنة انتقال الطاقة ومعهد روكي ماونتن، وكلاهما من المؤسسات البحثية العالمية، إن الصين في وضع جيد يسمح لها بالتحول إلى اقتصاد متطور خالٍ من الكربون بحلول عام 2050.

    ثامنًا، لا تنسحب الصين من العالم بسبب الكثير من العقبات التي تؤثر على اقتصادها الباهت، بما في ذلك فقاعات العقارات والديون، والبطالة بين الشباب، وتدهور التركيبة السكانية، والعلاقات المتوترة مع بعض الدول الغربية.

    تتمتع الصين بثروة من حملة الدكتوراه في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) حيث يتجاوز عددهم ثلاثة أضعاف عددهم في الولايات المتحدة باستثناء الطلاب الأجانب. ووفقًا لمعهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي لشهر مارس، اكتشف أن الصين تتقدم في 37 من أصل 44 تقنية حديثة متقدمة، باستثناء شرائح أشباه الموصلات المتطورة، حيث تتفوق بشكل كبير في جميع الفئات، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والاتصالات الكمية والتكنولوجيا الحيوية. بالإضافة إلى توسيع الميكنة، والروبوتات، واتصال خطوك السكك الحديدية فائقة السرعة العابرة للحدود، وموقعها كأكبر سوق للتجارة الإلكترونية في العالم، فإن الصين مستعدة تمامًا لاستقبال الثورات الصناعية الرابعة والخامسة، بما في ذلك إنترنت الأشياء، والتي تعتبر جزءًا من حلم الصين للقرن الواحد والعشرين.

    تاسعًا، مجموعة العشرين ليست “ناديًا غربيًا” لتعزيز السرد المعيب لـ “الديمقراطية مقابل الاستبداد”، وهي مغالطة بهلوانية (مغالطة تحريف حجة الطرف الاخر) خلافية. الديمقراطية الغربية قد تكون أفضل نظام سياسي لبعض البلدان، ولكن ليس هناك دليل على أنها تعمل لجميع الدول والحضارات. نظام الحكم في الصين قد لا يعمل لدول أخرى، ولكن بوضوح قد نجح في الصين.

    ويدعم هذا بقوة أغلب النتائج البحثية التي أجرتها كلية هارفارد كينيدي، ومقياس إيدلمان للثقة في نيويورك، ومركز أبحاث إبسوس في باريس. وقد وجد الجميع أن الشعب الصيني في جميع أنحاء العالم هو الأكثر دعمًا وثقة لحكومته، وعلى الرغم من الصعوبات، يظل من بين أسعد الدول التي شملتها الدراسة.

    عاشرًا، الصين ليس لديها استراتيجية سرية لمدة 100 عام لاستبدال الولايات المتحدة كقوة عالمية. ففي النهاية، لا تزال الولايات المتحدة تتفوق فيما يتعلق بالجغرافيا والموارد والقوة المالية والتكنولوجيا الحديثة والاختراع والمؤسسات والقدرة العسكرية والشبكات الاستراتيجية والنفوذ العالمي. مبادرات الرئيس شي للتنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية تعكس بشكل كبير التوجه الصيني نحو برنامج قمة مجموعة العشرين “أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد”.

    الكاتب خبير استراتيجي دولي ومستقل في الصين. شغل سابقًا منصب المدير العام للرعاية الاجتماعية والممثل الرئيسي الرسمي لهونج كونج للمملكة المتحدة وأوروبا الشرقية وروسيا والنرويج وسويسرا.

    (الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف فقط ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر World Geostrategic Insights).

    شاركها.